للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

للعوالم التي تحيط بنا.

ولكن إذا كان على الأرض وحدها نقاس الخلائق المتعددة فهي أعظم قدراً من تلك العوالم بأجمعها، بل هي كل شيء والباقي لا شيء، فبدونها لن يكون للفضيلة ولا للعقل وجود. وما هو الذكاء إذا لم يكن فناً يقصد به إبعاد الألم؟ على إنني أعلم أن هناك عقولا كبيرة قد تطلعت إلى آمال أخرى غير هذا، فقد كان رينان يعلل نفسه في فرح الواثق بحلم هو انتظار قانون أخلاقي مؤسس على العلم إذ كان يثق به ثقة لا حد لها، وكان يعتقد أنه ما دام العلم قد استطاع أن يتخذ في الجبال نفقاً فلن يعجز عن تغيير العالم برمته في المستقبل، ولكنني لا أظن مثله أنه قادر على أن يجعل منا آلهة كاملة، والحق أقول أنني لا أريد ذلك ولا أرغب فيه، فإنني لا أحس في نفسي عناصر الألوهية بعد غض النظر عن بساطتي، فضعفي عزيز عليّ محبب ألي وهو نقص ولكنه أهم مميزات وجودي.

سذاجة العلماء

لقد عهدت العلماء كالأطفال في سذاجتهم وبعدهم عن الادعاء، وفي كل يوم نلقى أدعياء يتوهمون أنهم محور العالم، ومن المؤسف أن يعتبر كل منا نفسه مركز الكون. وهذا وهم شائع في جميع الناس لا يخلو منه الكناس العابر تنبئه به عيناه حين ينظر حوله فيرى قبة السماء تستدير به من كل الجهات، جاعلة إياه مركز السماء والأرض، وقد يتزعزع هذا الاعتقاد في نفس من يفكر تفكيراً عميقاً، فالتواضع وهو شيء نادر بين المتعلمين ما زال أندر منه بين الجاهلين!

ماهية الجهل

الجهل شرط ضروري لا بد منه لا للسعادة فحسب بل للحياة نفسها. فلو أحطنا بكل شيء علماً لما استطعنا احتمال الوجود ساعة واحدة، لأن الشعور الذي يحببه إلينا أو يجعله محتملا على الأقل إنما ينبع من الأباطيل ويتغذى بالأوهام، فلو استطاع إنسان أن يستحوذ كمالا له على الحق المطلق ثم يفلته من يديه لبادت الدنيا واختفى العالم كما يختفي الظل، فالحق الإلهي كيوم القيامة يسحق هذا الوجود سحقاً.

حنفي غالي

<<  <  ج:
ص:  >  >>