للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

تخلل رجعة بمنزلة طلقة واحدة

فقامت عليه بذلك قيامة العلماء والفقهاء والمتصوفة، وشكوه إلى السلطان المرة بعد المرة، وكانت أولى شكواهم في شهر ربيع الأول سنة ٦٩٨هـ فبحث في شكواهم، وحكم بمنعه من الكلام فيما شكوا منه، ثم شكوه ثانياً إلى السلطان في سنة ٧٠٥هـ فورد مرسوم من السلطان إلى نائب دمشق بامتحانه فيما يعتقده، فعقد له مجلس في (٧ من رجب سنة ٧٠٥) سئل فيه عن عقيدته، فأملى عليهم منها، ثم أحضروا عقيدته التي تسمى الواسطية، فبحثوا في مواضع منها، ثم اجتمعوا في (١٢ من رجب سنة ٧٠٥) وندبوا الصفي الهندي ليناقشه، ثم أخروه وقدموا الكمال الزملكاني، وقد انتهى الأمر في هذا التحقيق بإشهاده على نفسه أنه شافعي المعتقد

وكان لابن تيمية أشياع وأتباع، فأشاعوا أنه انتصر على خصومه، فغضبوا وقدموا شخصاً من أتباعه إلى الجلال القزويني نائب الحكم بالعادلية، فحكم بتعزيره؛ وكذلك فعل الحنفي باثنين منهم، فقامت فتنة كبيرة بين الشافعية وغيرهم في دمشق، وقد اعتزل فيها القاضي ابن صصري الشافعي القضاء، احتجاجاً على ما أصاب الشافعية من الأذى

فطلب القاضي ابن صصري وابن تيمية إلى القاهرة، وكان أمراؤها قد انقسموا في أمره، فقام الأمير بيبرس الجاشنكير والقاضي المالكي بالإنكار عليه وعلى أتباعه من الحنابلة، وقد اشتد الأمر عليهم حتى صفع بعضهم، وانتصر له الأمير سلار، فلما وصلا إلى القاهرة قدم ابن تيمية في (١٢ من شهر رمضان سنة ٧٠٥) إلى القاضي المالكي لينظر في دعوى خصومه عليه، فقال ابن تيمية: هذا عدوي. ولم يجب عن الدعوى، وقد كرر عليه السؤال فأصر على الامتناع عن الجواب، فأقامه القاضي من المجلس، ثم حكم بحبسه فحبس في برج، وكان الناس يترددون عليه فيه، فلما بلغ القاضي ذلك قال: يجب التضييق عليه إن لم يقتل، وإلا فقد ثبت كفره. فنقلوه ليلة عيد الفطر إلى الجب

ثم أرسل مرسوم إلى دمشق فقرئ في الجامع على أهلها، ونودي في شوارعها بأن من أعتقد عقيدة ابن تيمية حل دمه وماله، وجمع الحنابلة من الصالحية وغيرها فأشهدوا على أنفسهم أنهم على معتقد الإمام الشافعي، وكان قاضي الحنابلة ضعيفاً ليست له مكانة في العلم، فبادر إلى إجابتهم في ذلك المعتقد، وقد استكتبوه فكتب لهم بذلك

<<  <  ج:
ص:  >  >>