وفوق ذلك فإن الفلاسفة وعلماء الكلام لم يحاولوا في أكثر أبحاثهم أن يخفوا عن الناس النبع الذي نهلوا منه.
وما كان التعلل بالعلم ليخدع المسرفين في التعصب للقرآن وسنة النبي. فكانت الأبحاث العقلية المجهولة للعرب في عصر الرسول تلقى استنكاراً شديداً كما كان الذين يدخلون في الإسلام بدعة يستمدونها من مصدر أجنبي معرضين لهذا النوع من الاستنكار، وكانوا يقولون إن الفلسفة (حكمة مشوبة بالكفر) - وإذا استعرضت أسماء المؤلفات ككتاب: عرض لمخازي الإغريق ومنها للحكم الدينية - وكتاب البرهان الحسي على تفنيد الفلسفة في القرآن عرفت ما تتضمنه الكتب مما يؤيد ما نقول - وثمة حكاية متداولة عن فيلسوف معروف عدل عن آرائه وهو على فراش الموت، وكانت آخر عبارة قالها: صدق الله العظيم وكذب ابن سينا.
ومن الحق كذلك أن نذهب إلى القول بأن ما أضافه العرب من الثقافة الإنسانية إلى تراث من سبقهم من المفكرين لم يكن كبير الشأن ملموس الأثر. وبالرغم من هذا، ومع أننا على يقين من أن ما خلفته الحضارة الإسلامية لا خطر له، أوليس أكثر مما ورثته عن غيرها من الحضارات، فليس من العدل في شيء أن ننكر عليها توصلها إلى الجمع بين الأفكار الفلسفية على نمط مميز لها، تلك الأفكار التي عزاها علماء المسلمين إلى أنفسهم.
وإنه لمن الظلم البين أن نحقر من شأن الشغف في طلب العلم من أجل العلم، ذلك الحماس الذي كان يتقد في صدور جموع غفيرة من الناس في رحاب الدولة الإسلامية المترامية الأطراف.
وفي الحق أن لعبارة (الفلسفة العربية) معنى معيناً عند المستشرقين، فهم يعرفون أن بين العرب الخلص الدم واحداً فذا هو (الكندي) قد امتاز بطول باعه في المسائل الفلسفية، ولكنهم يعرفون - إلى جانب هذا - أن ذلك الخليط الغريب الذي يغلب عليه التنافر - والذي ائتلف من الأرسطاطالية والأفلاطونية الحديثة، وسلم به أكبر الفلاسفة المسلمين كتفسير معقول للكون - يعتبر عربياً قبل كل شيء وإن لم يكن إسلامياً، لأن أكبر زعمائه كثيراً ما كانوا مسلمين بالاسم أو زنادقة جهروا بذلك جهراً أدى إلى ضياع حياتهم أو فقدان