وأنا محدثك باختصار عن هذا الذي كتبته. واصل ذلك كله أني رأيت من كتب من المحدثين في شأن تاريخ الماضين من أسلافنا، يكتب أو يتحدث بأسلوب أقل ما يقال فيه أنه مشوب بالحماقة الشديدة، مختلط بالجهالة المتراكبة، في معرفة أصول التاريخ، مغموس في حماة من الافتراء والتطاول، مستنقع في أهواء سيئة رديئة. وزعمت أن للناس أدباً وأسلوبا في كتابة التاريخ، وأن للمسلمين خاصة أدب وأسلوب في التاريخ ينبع من أصل دينهم، في العدل، وفي حسن النظر، وفي الأناة في طلب الحق، وفي كف اللسان عن التهجم بالقول السيئ على عباد الله بلا بينة، وفي التناهي عن اقتناء المرء ما ليس له به علم، وفي التثبت من الأخبار قبل تصديقها، وهو أدب كما تعلم كان قديما في كتبنا، ولكن حضارة هذا القرن قد نشرت وباء شديد الفتك، ذهب بأكثر هذا الأدب، وأخذت في طرقي أضرب المثل على هذا بكاتب رأيته لم يتورع عن سلب أناس دينهم، ولم يخشى الله في نفي الإسلام عن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي تصوير أعمالهم بصورة أعمال المنافقين، وفي أخذ الروايات الباطلة وجعلها دليلا على الغميزة في إيمانهم، وفي رد الروايات الثابتة الصادقة بروايات كاذبة ادعاها مدع من الرافضة، إلى غير ذلك مما سأبينه فيما أكتب في مجلة (المسلمون) وزعمت أن هذا ليس ديدن هذا الكاتب وحده، بل صار ديدنا لأكثر من يكتب الآن في شيء من تاريخ هذه الأمة المسلمة، حتى صار الطعن في صحابة رسول الله أمرا مرتكبا بلا حذر
وما دمت لم أزد في كلامي على هذا، فلست أدري بعد ما الذي يحملك على أن تخذلني أو تنصرني في أمر لم أنطق بعد فيه بكلمة! نعم قد يكون رأيي فيما أبديت أنت فيه رأيك، مخالفا لك، ولكني لم أتكلم بعد فتعرف حجتي فيه. بل لعلي إذا كنت لك مخالفا، ثم عرضت عليك خلافي لك، أن تكون أسرع إلى موافقتي منك إلى الخلاف علي، حين ترى فيما أقول صوابا يرضيك. أليس هذا جائزاً، وممكنا أيضا؟ فإذا رأيتي بلغت في سياق مقالاتي في (المسلمون) إلى ذكر دول الإسلام، فعندئذ فقل؛ فأنا أقبل منك ما تقول، وأعلم أني لا أنف أن أصير إلى الحق إذا عرفته، ولقد عشت على هذه الأرض زمانا طويلا، واعتقدت منذ عقلت أراء كثيرة، ثم تبين لي أن الحق في خلافها، فرجعت عنها جملة، ولم أبال بما كنت أرى، ولعلك أنت خاصة تعلم من ذلك ما لا يعلمه غيرك