وأدار الآلة المتصلة بها، فضغطت على ذراعي، ونظر إلى دائرة بها مشير يتنقل بين أرقام. . . ثم قال: عندك ارتفاع في ضغط الدم!
ضغط الدم. . .! وما ضغط الدم. . .؟
لم يجب الطبيب، لأنه لا يتكلم في الصميم، وإنما أبدى استعداده للعلاج.
ولكني لم آتي هنا للعلاج. . . ولست اعرف هذا المرض، ولا أحس له بأعراض، وإنما أطلب التامين على حياتي. . . ولكن الشركة لا تؤمن هذه الحياة التي يتحيفها ضغط الدم. . .
وذكرت قول صديقي:(. . . وإذا عرفت داءك فتبادر إلى علاجه)، ولكني أصررت على تجاهل هذا الداء أما أولادي فإن كنت سببا في وجودهم فإن موجدهم الأصيل الذي يكفلني ويكفلهم اقدر على كفالتهم بعدي وهو المستعان في كل حال.
ولكن مالي أنتبه عند ما اسمع الناس يرددون كلمة (ضغط الدم) بين ارتفاعه وانخفاضه، وأرى اهتمام بعضهم بقياسه، ومعرفة درجته ومعالجته. . .؟ استرعى ذلك انتباهي. وأثار باطن الشعور الذي خلته انتفى عني، فقصدت أحد الأطباء. . . ولف على ذراعي ذلك القماش الأسود، وقاس ضغط دمي، وسألني عن سني، وقرر أن الضغط مرتفع إلى درجة لا يحسن السكوت عليها.
ورحت أتناول الأدوية، وسرت على (الرجيم) وكنت كلما أخذت الدواء، أو أكلت مسلوقا، أو حرمت نفسي محذورا؛ أوحى إلي كل ذلك إنني حقا مصاب بضغط الدم، وكأن كل ذلك يأمرني أمرا بأن أكون كذلك، فيجب أن استشعر ثقل الدماغ والصداع وفتور الجسم، وارتخاء الاطراف، فيجيبني كل ذلك ومعه هموم الدنيا وسواد العيش. وكنت أحس كلما وطئت قدماي عتبة (عيادة الدكتور) أن الضغط يرتفع، وإن كنت قد أوحيت إلى نفسي في الطريق أن الأدوية و (الرجيم) قد أفادت فأذهبته. . . فيقيس الطبيب، وأعاود تعاطي الأدوية، والخضوع (للرجيم) وهزل جسمي وضعف بدني. وعجبت من أن حالتي تزداد سوءا على مر الأيام، مع العناية والدقة في مراعاة مقتضيات العلاج، ومع الحرمان التام من كل ما يزيد الضغط!
حرت في الأمر، فمرة أقول لعل المرض كان في أطواره الأولى خفيفا، أما الآن فقد