استفحل أمره حتى أعضل، ولولا هذه المعالجة لأدى بي إلى الحالة التي خشيت شركة التأمين خسارتها فيها، ومرة أقول لعل هذا الطبيب غير موفق، فأغيره ولا يتغير الحال. وأخيرا قلت: ألم اكن قبل بخير؟ فلم لا ارجع كما كنت؟ وطرحت الدواء وخلعت طاعة (الرجيم) فغذيت جسمي باللحم والبيض، ورويته بالخضر المطهية بالطماطم، وعمرت دماغي (بالتقلية) فعادت روحي إلى بدني، وجعلت الحيوية تدب في اوصالي، واقبلت على رياضتي البدنية التي كنت تركتها خيفة أن ينفجر القلب وتتمزق الشرايين؛ فأشرقت نفسي ورأيت الدنيا مشرقة؛ وكل شيء يبسم ويدعوني إلى مشاركته؛ وأدركت ما كاد يفسد من أموري، فطابت نفسي بذلك وحمدت الله على هذا التوفيق. ولم أندم على تلك المحنة لأنني اعتبرتها تجربة استفدت منها؛ إذ عرفت أن داءي من الحالة النفسية التي وقعت فيها، والتي كانت تستشري عند كل مرسوم من مراسيم العلاج إذ أفكر متسائلا: لم آخذ هذا؟ ولم ادع ذاك؟ وعرفت أيضا أن دائي من ضعف بدني لحرمانه التغذية والتقوية، كما عرفت أن سواد عيشي كان من سواد قماش تلك الأدلة التي يقيسون بها ضغط الدم.
ولكن لم تدم جدوى هذه العبرة طويلا، فقد أوقعني سوء الطالع مرة ثانية مع موظف في شركة أخرى للتأمين، من أولئك المنوط بهم جلب حرفاء للشركة لقاء جعل مقدر بنسبة مئوية من مقدار التأمين، واهم ما يتصف به هؤلاء اللباقة في الحديث، والقدرة على شرح فوائد التأمين والإقناع بضرورته. أكد لي أن صحتي جيدة، وأنه لا يبدو علي ما يدل على ضغط الدم، وأن الضغط لا يرتفع في دم من هو في نحافتي وفي مثل سني. ورضيت أن أتقدم للتأمين مرة أخرى. . . وما وضعت قدماي على عتبة طبيب الشركة حتى هممت بالرجوع لأنجو بدمي من أكدار أحسست أنها تتسرب اليه، ولكنني أشفقت على الموظف الذي يدعوني إلى الدخول متلطفا مبتسما؛ فدخلت، وتمت الطامة برؤية مقياس الضغط ذي القماش الأسود الكثيف. . . واظهر الطبيب استعداده للعلاج. . . فخرجت وقد أضفت إلى ثبت المنغصات فكرة التأمين على الحياة، وباعتباري إنساناً إذا مسه الضر دعا الله إلى جنبه
- تذكرت تلك الحكمة التي خطرت لي عقب رفض الشركة الأولى تأمين حياتي. فقلت: (أما أولادي فإن كنت سببا في وجودهم فإن موجدهم الأصيل الذي يكفلني ويكفلهم اقدر