للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

والصبيان على ما يتفق أن يكونوا عليه بغير سياسة ولا تعليم، وهذا ظاهر الشناعة جدا - انتهى قول ابن مسكويه.

ويقول الغزالي في مثل هذا المعنى: لو كانت الأخلاق لا تقبل التغيير لبطلت الوصايا والمواعظ والتأديبات، ولمّا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: حسنوا أخلاقكم! وكيف ينكر هذا في حق الآدمي وتغيير خلق البهيمة ممكن، إذ ينقل البازي من الإستيحاش إلى الأنس، والكلب من شره الأكل إلى التأديب والإمساك والتخلية، والفرس من الجماح إلى السلاسة والانقياد؛ وكل ذلك تغيير للأخلاق؟

وإذا نحن أدركنا هذا القول تسنى لنا أن نفهم الحكمة الجليلة التي ينطوي عليها قول الرسول عليه الصلوات: إنما العلم بالتعلم والحلم بالتحلم، ومن يتخير الخير يعطه، ومن يتوقَّ الشر يوقه. فلتحلم والتعلم والتبصر والتوقي والتورع والتصبر والتكرم والتعفف وغيرها من هذه الصفات التي تنطوي في صيغتها على معنى التكلف إنما هي معدودة من أهم مقومات الخلق النفسي ومن اخطر العناصر في تكوينه. وهي إلى ذلك وسيلة ميسورة إلى ترقي النفس في مدارج الفضيلة واكتسابها ما حرمته بالفطرة من أسباب الخير. ثم هي مقوية للفضائل ومتقوية بها، لما هنالك من واشج العلاقة بين القسيمين. يقول أبو علي القالي في أماليه: العقل عقلان: فعقل تفرد الله بصنعه، وعقل يستفيده المرء بأدبه وتجربته. ولا سبيل إلى العقل المستفاد إلا بصحة العقل المركب، فإذا اجتمعا في الجسد قوى كل واحد منهما صاحبه تقوية النار في الظلمة نور البصر.

الحلم والتحلم:

قال ابن مسكويه: الحلم فضيلة للنفس تكسبها الطمأنينة فلا تكون شَغِبه، ولا يحركها الغضب بسهولة وسرعة.

وواضح أن الحلم - كخلق فطري - يؤدي إلى طمأنينة النفس. على أن هذه الطمأنينة من ناحيتها تكسب النفس صفة الحلم وتمكِّن لها منه، والحلم المكتسب هو (التحلم) نفسه.

فطمأنينة النفس نتيجة للحلم وسبب للتحلم، ومن هنا يصعب الفصل بين الخلقين ولكنه لا يستحيل، لان الحلم إذا جاء عفو الطبع، وبدون تكلف له ولا تحامل على النفس فيه، فالتحلم لا يكون إلا نتيجة مران وثمرة ممارسة ومعاناة. وليس من شك في أن الأول يفضل

<<  <  ج:
ص:  >  >>