الأخير، كما يفضل الأصل الفرع، ويشأو السابق اللاحق.
والغزالي يردف التحلم (كظم الغيظ)، فهما عنده شئ واحد يقل في الرتبة عن الحلم، ولكنه يتحول إلى الحلم نفسه بطول المجاهدة التي تفضي إلى الاعتياد. فهذا الفيلسوف لا يكاد يتصور للحلم وضعا إيجابيا أو مظهرا مستقلا، إلا إن يكون صورة كاملة استوفت خطوطها وألوانها من مظاهر للتحلم توالت على النفس وتعددت صورها حتى استوفت فيها خلقا كاملا تصقله المجاهدة وتهذبه الدربة وفرط المعاناة؛ واليك عبارته:(اعلم أن الحلم افضل من كظم الغيظ، لان كظم الغيظ عبارة عن التحلم (أي تكلف الحلم)، ولا يحتاج إلى كظم الغيظ إلا من هاج غيظه، ويحتاج فيه إلى مجاهدة شديدة، ولكن إذا تعود ذلك مدة صار ذلك اعتيادا فلا يهيج الغيظ، وان هاج فلا يكون في كظمه تعب، وهو الحلم الطبيعي، وهو دلالة كمال العقل واستيلائه وانكسار قوة الغضب وخضوعها للعقل، ولكن ابتداؤه التحلم وكظم الغيظ تكلفا.).
ويبدو أن ابن مسكويه كان أدق فهما من الغزالي لحقيقة الحلم وموضعه من التحلم، عندما جعل الحلم خلقا أساسيا في بعض النفوس، ثم أوضح إمكان اكتسابه بالمعالجة فيسمى حينئذ تحلما. وهو يقول في الكشف عن حقيقة الحلم: متى كانت حركة النفس العصبية معتدلة، تطيع النفس العاقلة فيما تقسطه لها، فلا تهيج في غير حينها، ولا تحمي أكثر مما ينبغي لها، حدثت عنها فضيلة الحلم، وتتبعها فضيلة الشجاعة، ثم بين السبيل لبلوغ فضيلة التحلم عند فقد الحلم بقوله: من أنكر من نفسه مبادرة إلى غضب في غير موضعه، أو على من لا يستحقه، أو زيادة على ما يجب منه، فليقابل ذلك بالتعرض لسفيه يعرف بالبذاء، ثم ليتحمله، وليتذلل لمن يعرف بالخيرية ممن كان لا يتواضع له قبل ذلك.
على أن من الإنصاف للغزالي أن نقول: انه كان فيلسوفا (عمليا) في مقارنته بين الحلم والتحلم، فهو لا يكاد يعترف ألا بالتحلم أصلا وفرعا، لأنه محله التجربة ومظهر المجاهدة والمعاناة، وفلسفة الغزالي الخلقية كلها تقوم على هذا الأساس. أما ابن مسكوية ففيلسوف (نظري) عميق الفكرة، يجرد الحلم أصلا قائما بذاته، ثم يلتقي مع الغزالي في بسط قضية التحلم، وبيان السبيل إلى بلوغه تكلفا.
فمن المجاز إذن - لا الحقيقة - أن نقول مع الغزالي: إن كظم الغيظ واعتياد التحلم يصبح