(حلما طبيعيا) - وان كانت هذه العبارة هي افضل ما يجري على لسان مربٍّ يعني بتهذيب الأخلاق وهداية الناس إلى سبيل الفضائل، بتيسير وسائلها لهم، وتهوين مشقة إحرازها عليهم.
فضيلة الحلم:
بان الحلم إذن بفضل له ومزية، وطال على التحلم قدر ما يطول اصل على فرع، وأول - في الكون - على أخير. وما ثمة شك في أن الحلم أثنت على تتابع المثيرات، وابلغ في الدلالة على كرم النفس، وصفاء موردها من نبع الفضيلة.
وليس يتصل الحلم بنفس إلا وقد تم لها إلى جانبه حظها من التحلم، إن لم يكن في الأول الغناء كله عن الثاني. والنفس بعد من نتيجة التحلم على شك، تسعى إليه فتبلغ حينا وتقصر أحيانا، وأنها لتلقى فيه من البلاء ما يضجرها منه مرة، وقد يصرفها عنه أخرى.
وأين في الناس مثل عمر الذي كان يبلغ بالتحلم حد الحلم دون مجهود، حتى ليلقى الرجل السكران مرة فيزمع أخذه وتعزيره، ويشتمه السكران فيرجع عنه، ثم يسأل عن ذلك فيقول: انه أغضبني، ولو عزرته لكان ذلك لغضبي لنفسي، ولم أرد أن اضرب مسلما حمية لنفسي؟!
وفي كتاب الأحياء أن اشجَّ عبد القيس وفد على النبي صلى الله عليه وسلم فأناخ راحلته ثم عقلها، وطرح عنه ثوبين كانا عليه، واخرج من العيبة ثوبين حسنين فلبسهما، وذلك بعين رسول الله صلى الله عليه وسلم يرى ما يصنع. ثم اقبل يمشي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عليه السلام: إن فيك يا اشج خلقين يحبهما الله ورسوله. قال: ما هما بابي أنت وأمي يا رسول الله؟ قال: الحلم والأناة! فقال: خلتان تخلقتُهما، أم خلقان جبلت عليهما؟ فقال: بل خلقان جبلك الله عليهما. فقال: الحمد لله الذي جبلني على خلقين يحبهما الله ورسوله. فقد كان رسول الله عليه الصلوات إذن اعلم الناس بفرق ما بين الحلم والتحلم، وبعد ما بين الطبيعة والتطبع، وانه ليمتدح صاحبه - فيثلج قلبه، ويستحمده ربه - حين يجيبه عن سؤاله بقوله: بل خلقان جبلك الله عليهما!
هذا، والحلم سيد الأخلاق - كما يقولون - لأنه السجية النبيلة التي لا تليق ألا بالملوك والأمراء، ولا تأخذ أروع زينتها إلا حين يصطنعها السَّراة والوجوه وأعيان الناس. روى