والعطف؛ وتقص الرواية علينا بعض مواقفه ومداعباته مع تلك الأميرة الحسناء؛ ومن ذلك قوله ذات يوم في مجلسها يتغنى بحسنها:
كلفت يا قلبي هوى متعباً ... غالبت فيه الضيغم الأغلبا
أنى تعلقت مجوسية ... تأبى لشمس الحسن أن تغربا
أقصى بلاد الله في حيث لا ... يلقى إليه ذاهب مذهبا
يا نود يا رود الشباب التي ... تطلع من أزرارها الكوكبا
وقوله ذات يوم وقد أمرته الأميرة بأن يخضب شعره الأشيب ففعل، واستحسنت خضابه:
بكرت تحسن لي سواد خضابي ... فكأن ذاك أعادني لشبابي
ما الشيب عندي والخضاب لواصف ... إلا كشمس جللت بضباب
تخفى قليلاً ثم يقشعها الصبا ... فيسير ما سترت به لذهاب
لا تنكري وضح المشيب فإنما هو زهرة الإفهام والألباب
فلدي ما تهوين، ما شأن الصبى ... وطلاقة الأخلاق والآداب
وعاد الغزال إلى الأندلس بعد رحلة دامت عشرين شهراً ومعه كتاب من ملك النورمانيين إلى عبد الرحمن بن الحكم؛ وكان عوده عن طريق شنت ياقوب ثغر جليقية. وقد أدى الغزال سفارته خير الأداء بلا ريب، ولكن ماذا كان موضوع هذه السفارة وغايتها الحقيقية؟ هذا ما لم تفصح عنه الرواية، وإن كنا نعتقد أنها كانت سفارة مودة وصداقة فقط.
وعاش الغزال بعد ذلك أعواماً طويلة، وتوفى بعد الخمسين ومائتين في عهد الأمير محمد بن عبد الرحمن، وقد أربى على الثمانين؛ وكان مدى نصف قرن يتبوأ الزعامة في ميدان الشعر والأدب والحكمة، ويتبوأ في بلاط قرطبة أسمى مقام من النفوذ والثقة والتقدير.