للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

للأستاذ خليل مطران أن يتفضل بالإجابة عن هذا السؤال:

هل استطاعت مأساة أوديب أن تصور مشكلة واحدة من مشكلات العدل والعقل والذوق؟

وكيف ولم تكن تلك المأساة إلا صورة بهلوانية من صور الوثنية اليونانية؟

كانت هذه المأساة مقبولة يوم كان الناس يتذوقون عبث الأساطير، وهي قد تقبل في مدينة روما أو باريس، حيث يطيب للناس أن يتلهوا بخرافات الوثنية بعد أن شبعوا من أطايب الأدب الحديث، وهو عندهم يقوم على نقد خلائق المجتمع بنزاهة وصدق

فهل الحال في القاهرة كالحال في روما وباريس؟ وهل تظن أن الفرقة القومية فرغت من تشجيع الروايات الاجتماعية والتاريخية التي تصور حاضرنا وماضينا، ولم يبق إلا أن تتحفنا بخرافات اليونان؟

الآن تذكرت ما كنت نسيت توجيهه إليك، فقد كنت أحب أن أسأل عما صنعت وصنع زملاؤك في الانتفاع بما في مصر من مواهب وآراء؛ وقد صح عندي أنكم ورجال الإذاعة سواء، فانتم جميعاً لا تعرفون غير من يتعرف إليكم، ولا تذكرون إلا من يذكركم بنفسه، وليست عندكم طريق مرسومة لاستثمار المواهب المكنونة في هذه البلاد. أليس من العجيب أن يكون في زادكم الفني روايات بالية لا ينتظر من بعثها غير إعلان الفاقة والإملاق؟

والآن عرفت ما لم أكن أعرف، فقد تعب المفكرون في البحث عن السبب الذي استوجب أن يهتم العرب بنقل ما عند اليونان من فلسفة وأن يزهدوا في نقل ما عندهم من آداب

أهتم العرب بنقل فلسفة اليونان لأنها وليدة العقل، وزهدوا في آداب اليونان لأنها بهلوانية، تقوم على قواعد واهية من الزخرف والبريق

فهل يظن الأستاذ خليل مطران أنه أعقل من أئمة العقل لعهد ازدهار الحضارة العربية؟

وخلاصة القول أن الفرقة القومية في حاجة إلى العلاج وهي لن تعافى من أدوائها المزمنة إلا بعناية أطباء بارعين لا يكون منهم فلان وفلان وفلان، فللفن والأدب أصول لا يعرفها هؤلاء

فإن لم أكن على حق فحدثوني كيف جاز أن تنفرد الفرقة القومية بالإخفاق وقد جمعت نوابغ الممثلين والممثلات؟ يعوزكم شيء واحد: هو التأليف. فابحثوا عن المؤلفين، لأن التأليف هو الروح، وكل شيء في الفن ما خلا التأليف إخراج وتمثيل.

<<  <  ج:
ص:  >  >>