للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الحواس ما يدرك بها الله في الصحراء اكثر منا: إن حياته لعبادة أبدية، فهو لا يلهيه عن الخالق شيء، ورحابة البادية التي لا حد لها هي معبده والمحراب، فما كان لهذه الطبيعة أن تلتقي والإلحاد أبدا

أمع مثل هذه الطبيعة يتاح لبدوي أن يلحد يوما؟ خذوا أي زنديق من زنادقة الغرب، واقذفوا به بضع سنين إلى المشرق تجدوه لا يخرج منه إلا معافى من تلك العاهة الروحية: إن الإلحاد لا ينشأ إلا في الظلال، وفي مواطن الحرمان من التأمل والخيال، ومدن الغرب التي يصاب فيها المرء بدوار الرأس والخبال؛ إن الشمس لتستأصل شافة الكفر والإلحاد والشبهات، لان تلك السموم الباردة لا تنمو إلا في الظلمات؛ وإن ذلك الفضاء الرحب، وهو ملك البصر، ليمنح العربي من الشعور بكرامته ما هو اشد من البادية عنجهية، واكثر منها حرية، ذلك إن الجماعة تسحق الأفراد والوحدة تسمو بهم، والمنفرد يشعر بعظمته في كل حين، لأنه إنما يقيس نفسه بالنظر إلى عظمة الطبيعة وسعة سلطانها، لا إلى تلك القيمة العددية الخفية التي يمثلها بكيانه بين ظهراني جمهور لا يحصى من مدينة غاصة بأحيائها، وأمة كبيرة بوفرة أبنائها. إن هذا الشعور بالعظمة الذاتية ليجعل من الإنسان مخلوقا غير خليق بالصغار، وليحمله على آباء الضيم والعبودية؛ اجل إن العربي ليخضع لدينه ولرياسة الأسرة الإلهية، ولعادات السادات شريعة العرف المقدسة؛ ولكنه لا يخضع للقوة الغاشمة أبداً!

التنوخي

عضو المجمع العلمي العربي وكاتب سره

<<  <  ج:
ص:  >  >>