كانت القبائل التي اكتسحت إسبانيا عديدة، منها (الفندال) و (الزواف) و (القوط). ولم يمض وقت طويل على تدفق البرابرة في إسبانيا، حتى ترك القوط القبائل الأخرى من البلاد، واستأثروا بالسلطة المطلقة. ثم بدأوا يأخذون بأساليب الحضارة المسيحية، وتمكنت الكنيسة الكاثوليكية من ضمهم إلى حظيرتها سنة ٥٨٧، فاكتسب الكهنة مكانا ساميا في الدولة لا يقل خطرا عن مكان الأشراف، غير أنهم استثمروه لمنفعتهم الذاتية، فاقتنوا الضياع وبنوا القصور العظيمة ولم يلتفتوا إلى الطبقات الأخرى التي كانت تعاني أمر العيش وأبشعه مذاقا فيصلحوا أحوالها، بل اندفعوا في سبيل مآربهم الدنيوية، فاصبحوا عاملا أخر في زيادة الفساد والاضطراب
وقد خلق أيضا وجود اليهود في البلاد فسادا في الحكم، لأنهم كانوا في إسبانيا كما كانوا في غيرها طبقة مضطهدة مهيضة الجناح تنوء تحت عبء الذل والاحتقار، فكانوا صابرين في مضض على حالتهم السيئة، منتظرين بذاهب الصبر تغير الحال وزوال حكم القوط عن كواهلهم
حدث الفتح أثناء ولاية موسى بين نصير على أفريقية. وكان العرب يعنون بأفريقية تونس الخضراء والجزائر ومراكش، وتمكن موسى من فتح طنجة وهي من أعظم فرض المغرب وولي عليها طارق بن زياد ثم قفل راجعا إلى مدينة القيروان - التي بناها الفاتح العربي الكبير عقبة بن نافع في عهد معاوية بن أبي سفيان الخليفة الأموي الأول - تاركاً سبتة وهي المدينة الوحيدة التي لم تخضع لسلطان المسلمين في أفريقية
وكانت الفوضى - كالعادة - ضاربة إطنابها في إسبانيا. فإن أحد الأشراف ويدعي لذريق اغتصب الملك وطرد أبناء الملك غيطشة المتوفى من البلاد، فعبر هؤلاء البوغاز إلى الشاطئ الأفريقي وحاولوا الاستعانة بالعرب عن طريق يوليان حاكم سبتة، الذي كان على وداد مع العرب. فأجابهم يوليان إلى طلبهم وأخذ يحبب إلى العرب حرب لذريق. أما السبب الذي حدا يوليان إلى استنفار العرب على لذريق فشخصي محض، وذلك أنه أرسل ابنته - وكانت آية في الجمال - جريا على عادة أشراف القوط إلى القصر الملكي في إسبانيا لتتأدب، فرآها لذريق واستهواه جمالها الفتان، وما زال بها حتى أوقعها في حبائله