- الحُسّان المفتان! أجل والله. . . رأيتها، وأورثتني ألف حسرة يا صديقي!
- أوَ مشغوف أنت بها حباً؟
- ومنذ الذي لم تشغفه بومونا حباً، وقد تبلت قلوب الآلهة؟
- إني أغار من كلماتك أيها الصديق. . . فاقصر!
- وأنا أغار من غيرتك، فاذهب لطيتك!!
ويكاد أحدهما يحرق صاحبه بالشرر الذي ينقدح من أغوار قلبه. . . عن طريق عينيه. . . ثم يمضي كل في سبيله. وهكذا تعادى الناس في بومونا، وهكذا تنافس الجميع في حبها حتى الآلهة فلقد رآها أبوللو وجن بها جنوناً، ولقيها مارس وفتن بها فتوناً. . . ولكن العروس كانت لاهية عن الجميع، لا يتفتح قلبها لحب ولا يرق قلبها لشكاة القلب المغرم الصب؛ وكل ما كان يصبيها، ويشغل بالها، هو هذا الفردوس الحبيب، الذي لا يضايقها بكلمات الغزل، ولا يضجرها بالأنظار الجائعة؛ بل يحييها دائماً بالابتسامات البريئة وبالرّوْح والشذى
غير أن واحداً من عشاق بومونا كان يعدل لا حبه لها حب، ولا يسمو إلى افتتانه بها افتتان. . . فتى لمحها مرة تطوي الطريق قبيل الشروق إلى حديقتها، فوجده منجذباً إليها، مجنوناً بها، فتبعها، وجعل يقلب عينيه في مفاتن شعرها المتهدل فوق ظهرها وكتفيها، حتى ليكاد يقبل العقبين الرائعتين، اللتين أخذتا تعلوان وتهبطان على ثرى الطريق، كأنهما ختم الطبيعة في صك البكور أو زهرتان من اللوتس، ترشفان سلافة الندى. . . وكان جسمها الرخص يتأود كالخيزران، وساقاها الناصعتان المرمريتان تضيئان في غبشة الصبح، فتضرمان في قلب فرتمنوس نيران الحب، وتزلزلانه زلزالاً عظيماً
وعرف الفتى ميعادها، فكان يصحو مع الفجر، ويهرع إلى الطريق، ويلبث يعد الدقائق والثواني كأنها ساعات بل أيام بل دهور وآباد. . . حتى إذا أقبلت، شعر بقلبه يخفق، وأعصابه تذوب، وأحس كأنه خفّ على الأرض، وغدا طيفاً يوشك أن يسري مع نسيم الصباح الذي تنشقه بومونا. . . له الله! لكم منّى نفسه بقبلةٍ يطبعها على هذا الفم الشتيت تُذهِب حرّ قلبه وتشفي صدى روحه الظامئة المتعطشة، ولكنه كان يعود أدراجه كل صباح بعد أن يتأثر سالبة لبه، ولا لب له، ولا قلب معه، ولا مداوي لجراحات فؤاده إلا دموعه