للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يسكبها عبرة في إثر عبرة، وإلا آهاته يرسلها من أعماقه فتزيد فؤاده جراحاً!

وذوى فرتمنوس وذبل شبابه، وشَفّه الهم وأضوى جسمه الفكر، واستسلم لبكاء طويل يتعلل به، وغناء يشبه العويل، يرسله في نبرات تشبه الأنين، يضمنه بثه، وينظمه شكواه، ويلف فيها بقايا فؤاده المعذب، ويودعه النُّطَف الأخيرة من روحه الحيرانة، ويذهب به في الليلة المقمرة فتجتمع حوله الوحوش، وتسكر بموجع أنغامه الهوام، ويرقص من فوقه الشجر. . . ثم يبكي كل هؤلاء له. . . ويعود من حيث أتى!

ولقيته مرة فينوس فرقت له، ورثت لحاله، وراعها أن يلقى محب كل هذا العذاب، في هوى عروس غاب، فجلست إليه تسامره وترفه عنه

- أهكذا يقتل الناس الحب يا فرتمنوس؟

- إي وحقك يا ربة! لقد نال مني هواها، ولم أعد أفكر في أحد سواها!

- مسكين! وهل كلمتها قط؟

- مرة واحدة اجترأت أن أهتف باسمها، ولكنها أشاحت وأعرضت عني

- وفيم تطمع إذن؟

- أطمع في رضائها، وأطمع بعد ذلك في العيش في ظل حبها

- وإذا لم ترض؟

- سأعيش لحبها وآلامي! ولكن؟

- ولكن ماذا يا فرتمنوس؟

- ألا تساعدينني يا ربة الجمال؟ ألا تتفضلين فترققي قلبها عليّ؟

- عندي فكرة!

- أضرع إليك يا ربة!

- سأمنحك قدرة التشكل، وتستطيع أن تبدو في أي صورة شئت

وانحنت ربة الحب والجمال فتناولت من ماء الغدير قطرات، ثم نفثت فيهن وتمتمت بكلمات سحرية، ونظرت إلى الفتى في ظرف ودل، ونثرت الماء في وجهه

- والآن، فكر في أي صورة تنقلب إليها

وأخذ فرتمنوس يتقلب في صور شتى. . . وكلما حاول أن يرتد إلى صورته الأولى لم

<<  <  ج:
ص:  >  >>