انقطعت أنفاسهم أو كادت ثم ردهم إلى الهواء. وانتظر بهم فغطوا في الأنطاع التي ملئت ماء حتى انقطعت أنفاسهم أو كادت ثم ردهم إلى الهواء وانتظر بهم حتى أفاقوا وتسمع لما ينطقون به بعد أمثاب إليهم شيء من قوة فإذا هم يذكرون الله ويثنون على محمد قال أبو جهل لسمية وقد بلغ منه الغيظ أقصاه: لتذكرن آلهتنا بخير ولتذكرن محمداً بسوء أو لتموتن. تعلمي أنك لن تري مساء هذا اليوم إلا أن تكفري بمحمد وبه. قالت سمية بصوت هادئ متقطع قليلا: بؤساً لك ولآلهتك! وهل شيء أحب إلي من الموت الذي يريحني من النظر إلى وجهك هذا القبيح! هنالك تضاحك عتبة وشيبة أبناء ربيعه وأخرج الحنق أبا جهل عن طوره فجعل يضرب بطن سمية برجله وهي تقول في صوتها الهادئ المتقطع: بؤساً لك ولآلهتك، وتجن جنون أبي جهل فيطع سمية بحربة كانت في يده فتشهق شهقة خفيفة. ثم تكون أول شهيد في الإسلام: يقول ياسر قتلتها يا عدو الله! بؤساً لك ولآلهتك. ويقول عمار: قتلتها يا عدو الله بؤساً لك ولآلهتك! ليمتلئ قلبك غيظاً وحنقاً فإن رسول الله قد ضرب لها موعداً في الجنة. قال ياسر: أشهد أن وعد الله حق. ولكن أبا جهل لم يمهله وإنما يضربه في بطنه برجله فيشهق ياسر شهقة خفيفة ثم يصبح ثاني شهيد في الإسلام. قال عتبة بن ربيعه: فينبغي أن تطلق هذا الرجل وأن تخلي بينه وبي الحرية ليواري أبويه).
هذا لون من الألوان الدامية المريعة التي كانت مكة تذيقها أسرة ياسر وبلال وصهيب وخباب ولم تستطع برغم هذا أن تبلغ منهم ما أرادت وباءت بالهزيمة وفازوا هم بالنصر والخلود.
لقد استطاع الدكتور أن يخرج لنا من هذه الأطراف المبعثرة المشققة من الأحاديث عن هذه الشخصيات وهذا العهد كائناً حياً بكل خصائصه وسماته. فيا حبذا لو اتخذ أدباؤنا صنع الدكتور قدوة فنظفر بهذا التاريخ مجلوا ناصعاً حيا.