شعر بحاجة إلى الرياضة، كان في وسعه دائماً أن يرقص على المعزف. وكان رقصه حقاً نوعا من العبادة، وكان القربان الذي يقدمه إلى ذكرياته عن الغابات الهائلة. ولم تكن لديه رغبة للعودة إليها إذ كان ذلك معناه فراق سيده، بيترسون الذي، كان يعبده عبادة. ولم يكن بيترسون يمتاز بشيء ولكنه كان في نظر بيبي يحتل مقام الإله، وكان ما يزال شاباً، شديد النحول، عيناه متعبتان زرقاوان، وشعره طويل يميل للصفرة، ولحيته مهملة. وكان رث الملابس، يمشي مشية بطيئة منتظمة، تلك المشية المملولة التي يمشيها من يدرك أن رحلته لن تكون لها غاية.
وكانت كل الطرق تعرف هذين الصعلوكين: الرجل الذي يحمل الصندوق، وبيبي الذي إما أن يكون قابعاً على كتفه أو دائم القفز في محاذاته، وما كانا يمكثان طويلا في مكان واحد، فكل مكان يبلغانه كان نقطة وصول ورحيل معاً. وفي الليل ينامان في جنبات الطرق تحت الأشجار، ويفضلان دائماً جوار المياه، عند نهر، أو على الأقل عند غدير صغير.
وأحياناً يكون الجو قائظاً، وأخرى يكون قاراً، وكان بيترسون لا يأبه لتقلبات الطقس، أما بيبي فكان يكره البرد، وفي الليالي العاصفة، الداوية بالرياح، كان يزحف تحت غطاء سيده الصوفي السميك الذي كان يأتي به ويرمقه من تحت بعينين قلقتين لا معتين.
وكان الرجل والقرد يفهمان بعضهما حق الفهم وكانا يتخاطبان بالإشارات البسيطة، والكلمات، والأصوات، وكانا يشعران بصلة غريبة وهما محوطان بوحدة الحقول الهائلة، ووحدة الأرض نفسها التي تفوقها كثيراً، كما يشعر الأخوان بأن كلا منهما ينتمي للآخر. وفي الظلام كان بيبي يمد يده الصغير الشعراء، يلتمس الثقة وهو يدرك أنه واجد في ملمس هذا الرجل النحيف الأبيض الأمان والحب.
كان بيترسون الإله، وبقية العالم من رجال وحيوان، وشجر وحقول وسماء، أشياء أبدعها من موسيقى معزفه. فإذا ما بدأت كان بيبي يرقص، جاعلا رجليه تتبعان النغم في دقة، يلقي بكليته إلى الحركات المعقدة التي تثيرها، ولم يكن ذلك بدافع العمل فحسب، بل بدافع من غريزته الحيوانية، بشعور مبهم لكنه عميق، نحو الإخلاص لسيده ونحو جمال العالم. وكان يرقص أحسن الرقص عندما يكون أسعد حالاً وأطيب نفساً، فيعبر بهذه الطريقة عن شكره وعن فرحه لكونه حياً يرزق.