حمزة الأصفهاني، ويمدنا الكتاب الثامن من تاريخه (الذي انتهى منه عام ٩٦١م) بتفاصيل تاريخية دقيقة موجزة على التبابعة أو ملوك اليمن الحميريين.
خلف قحطان - جدَّ أعراب الجنوب - ابنه يعرب الذي يقال إنه أول من أتخذ العربية لساناً، وأول من أخذت له التحايا التي اعتاد العرب أن يحيوا بها ملوكهم كقولهم (أنعم صباحاً) و (أبيت اللعن) وقد اشتهر حفيده عبد شمس سبأ باسم مؤسس مأرب وباني سدها المشهور، وإن كان هناك آخرون يقولون إن مؤسسه هو لقمان بن عاد، وكان لسبأ ولدان حمير وكهلان، وقبل موته عهد إلى حمير بالجلوس على العرش والى كهلان بحراسة التخوم، وشنّ الغارات على الأعداء؛ ومن ثم كانت لحمير السيادة واتخذ اسم (أبو أيمن) وأقام في عاصمة المملكة بينما تعهّد كهلان بالدفاع عنها وتدبير الحروب وبالإغضاء عن سرد سلسلة نسب الملوك السبئيين الخرافيين الذين لا تذكر القصة عنهم إلا قليلاً جداً، فإنما نمضي إلى ذكر حادثة رسخت في أذهان العرب رسوخاً لا يمكن استئصاله منها، ألا وهي الحادثة المعروفة عندهم بسيل العرم أو فيضان السد.
على بضعة أميال قلائل من الجنوب الغربي لمأرب تمتد الجبال متلاحمة تاركة فيما بينها أخدوداً يشقه نهر (أدنة) الذي يجف غالباً مجراه خلال فصل الصيف؛ أما في الشتاء فتسقط الأمطار الغزيرة وتتدفق المياه بقوة هائلة تكاد لا تحتمل، فلكي تكون المدينة بمنجاة من الفيضان ولأجل تنظيم الري وزرع الأرض وفلحها بني الأهالي سداً من الحجر الصلد استرعى خيال محمد بعد أن دمر تماماً، واعده المسلمون إحدى عجائب الدنيا. وليس بغريب أن ألبس مؤرخوهم تلك الحقيقة المجردة (انفجار السد) ثوب حادثة فضفاضة طريفة وإذ آذنت شمس القرن الثالث للميلاد بالمغيب أو قبل ذلك بقليل كان يتربع على عرش مأرب عمرو بن عامر ماء السماء المزيقيا، وكانت زوجته (ظريفة) ماهرة في علم الكهانة خبيرة بفنونها، وقد رأت أحلاماً ورؤى تنبئ عن شر جسيم يتهددهم، وفي ذات يوم قالت لزوجها الذي لم يكن يثق في عرافتها:(إمضِ إلى السد فأن أبصرت فأراً ينبش السد بمخالبه ويقذف قطعاً كبيرة من الصخور بقدميه الخلفيتين فتيقَّن بأن العذاب قد حل بنا) فمضى عمرو إلى السد وأنعم النظر فشاهد جرذاً يحرك حجراً كبيراً يعجز خمسون رجلاً جلداً عن ثقله من مكانه فأيقن عمرو أن السد منهار، وأن الأرض لا بد هالكة بمن عليها،