وأظننا لسنا بحاجة إلى القول أن العلم شيء والأدب شيء آخر. فالعلم لا وطن له، وإن النظرية العلمية يبتكرها عالم في أي بلد من بلاد العالم، وعندما نثبت بالتجربة والبرهان تصير ميراثاً مشتركاً لكل عالم على وجه الأرض من أي مملكة هو ولأي جنسية يتبع وبأيّ دين يدين. وما هكذا الشأن في الأدب. فلكل أمة أدبها ونوازعها ومظاهر بيئتها وتراث تاريخها وديانتها وتقاليدها. فكيف يسوق الأستاذ تلك الآراء والأدلة الطويلة العريضة لرجال الفلسفة والعلم في موضوع هو من أخص خصائص الآداب والشعر!!؟
أما استشهاد الأستاذ برأي العلامة (مارتينو)(. . . فأن المذهب الرمزي عندما أبتدأ ظهوره وأخذت أبواقه ترتب الدعاية والنشر له قامت قائمة الناس في فرنسا وسموه (النزعة الجنونية) لما يتضمنه من القضاء على الروح الاجتماعية والتضامن بين أهل البلد الواحد، ولهذا أجمعت الناس في فرنسا على جموحه وشره الفتاك وقاوموه بكل ما عندهم من قوة، وأمكنهم - كما يذكر العلامة المدير - أن يقضوا عليه في عشرة أعوام أو خمسة عشر عاماً من ولادته، ودفنوه (غير مأسوف عليه).
هكذا يقول العلامة مارتينو الذي يستشهد به الأستاذ عزت. وما أظن العلامة المدير إلا ناقداً مجرحاً قاسياً، أو مفكراً قريب الشبه بطائفة المحافظين عندنا الذين يقيمون الدنيا ويقعدونها (دنياهم وحدهم طبعاً) كلما نشأ اتجاه جديد سواء في الأدب أو الشعر أو الاجتماع. وإلا كيف ساغ للعلامة الكبير أن ينساق مع رأي الناس في تسمية الرمزية (النزعة الجنونية) إذ على هذا القياس يكون من ذكرهم في كتابه (المذهب البرناسي والرمزي) من الأعلام أمثال فرلين وملارميه ورامبو وكثير من الرمزيين إلا مجانين! ولا أظن العلامة الكبير يوافق على هذا ولا الناس في فرنسا ولا القراء ولا الأستاذ عزت!
ثم ماذا يقصد من أن المذهب الرمزي قضي عليه في عشرة أعوام أو خمسة عشر عاماً من ولادته؟ هل معنى هذا أن آثار الرمزيين قضي عليها تماماً (غير مأسوف عليها) وإنها الآن في حيز الكتابات الهيروغليفية قبل اكتشاف شمبليون لحجر رشيد؟ أم أن الرمزية قد قضي عليها كمذهب قائم بذاته له أنصاره ومدرسته! إن كان الأخير فهذا أمر طبيعي وهو مآل كل مذهب قائم الآن. فالآداب والشعر تتغير بتغير المجتمع والبيئة في الأمة في عصورها المتعاقبة. وإنك لتشاهد الآن في إنجلترا أن مذهب الرومانتيكية وكان من أعلامه شكسبير