ويفهم مما تقدم أن الحركة الصليبية قد باءت بالفشل التام بعد أن انتقلت القدس نهائياً إلى أيد إسلامية مع سائر البلاد الفلسطينية، ثم تلا ذلك سقوط عكا وطرابلس وإنطاكية وهي آخر الحصون اللاتينية وطرد آخر صليبي من الديار الشامية في أواخر القرن الثالث عشر. وبهذا السقوط وذلك الطرد ختم الفصل الأخير من الحركة الصليبية التي كانت ألفت لغاية نصرانية كبرى أقامت العالم الغربي وأقعدته وانتقل بسببها مئات الألوف من الفرسان والأمراء وسائر المحاربين إلى ساحات القتال في الشرق، ومنهم من قضى نحبه، وفيهم من حكم أو أصبح ذا سلطان وإمرة بعد إن كان في وطنه الفقير مفلساً لا يملك شروي نقير؛ والجانب الأكبر عاد إلى موطنه يجر ذيول الخسران وعار الهزيمة. ومجمل القول أن الحركة تطورت وباءت بالفشل حين تغيرت غايات المشرفين عليها والمنظمين لها؛ فباباوات القرن الثاني عشر الذين كانوا يتمتعون بسلطان منقطع النظير كانوا وطدوا العزم على امتلاك القدس فاستعلوا سلطانهم وسؤددهم وقذفوا بالجماهير السذج نحو الشرق حيث امتلكوا ما أرادوا. أما بابوات القرن الرابع عشر فلقد كانوا على اختلاف دائم مع ملوك ذلك العصر الذين أخذوا يشعرون بقوتهم وينكرون على السلطة الدينية تدخلها في شؤونهم الداخلية والسياسية؛ وقد بلغ بأولئك الملوك وفي مقدمتهم فيليب الرابع ملك فرنسا وإدورد الأول ملك إنكلترا أن رفضوا أوامر البابا وتغاضوا عن تهديداته؛ وكان النزاع يدور حول فرض الضرائب على رجال الدين بعد أن كانوا معفين منها؛ وكانت الكنيسة ترفض ذلك مدعية أن أرض الكنيسة موقوفة لخدمة الله فلا يصح أن يؤخذ عنها ضرائب. أما الملوك فانهم كانوا في أشد الحاجة للمال بسبب كثرة نفقاتهم؛ لذلك طمعوا في ممتلكات رجال الدين الواسعة ورغبوا في فرض ضرائب عليها؛ وفي ظروف كهذه ليس من المعقول أن يكون أمل في تجديد حملات صليبية على نمط الحملات السابقة
ومع كل ما تقدم فكر بعضهم عقب سقوط القدس وسائر الإمارات اللاتينية نهائياً في أيدي المسلمين، وفي تأليف حملة صليبية جديدة، والسعي في إحلال التفاهم محل التنابذ والتحاسد بين رهبان الداوية والاسبتالية. وقد كان فكر في هذا الأمر في مجمع ليون المنعقد سنة ١٢٤٥، وتقرر القيام به أيضاً في مؤتمر فينا الديني سنة ١٣١١؛ على أن رغبته في التوفيق بين هؤلاء الرهبان لم تتحقق وانتهى الأمر بأن قضى على هيأة الداوية وصادر