ومن أجل تجديد المسكن الذي ارتأى وجوب القيام فيه، وجب قبل هدمه أن يأوى إلى أخلاق موقوتة هي بمثابة السكن المؤقت حتى يتم له هدم ما أزاد هدمه، وبناء ما أراد بناءة، فماش ديكارت وما ترك لنا الا هذا المسكن الموقوت الذي سكن إليه ريثما يتمم الاسس، فلم يتح له ذلك. ومع هذا فإن هذه الأخلاق تستحق العناية لامكان لاستدلال منها على كثير من جوانب الحياة التي أكتنف ديكارت في شخصه ومجتمعه معا.
وثمة مسألة لها قيمتها وهي الخاصة بالعلاقة بين الفلسفة والحكمة من ناحية، والأخلاق والسعادة من ناحية أخرى. أما الحكمة فإنها مرتبطة بالفلسفة ارتباطا وثيقا. يقول في كتابه عن (القواعد) وكلمة فلسفة تعني دراسة الحكمة وليست العلوم بأسرها إلا الحكمة الحكمة الإنسانية التي تبقى هي دائما)، والحكمة - فضلا عن تضمنها للحكمة العلمية -، فإنها المعرفة التامة بكل الأشياء التي يتسنى للإنسان المعرفة بها. وإذا كانت الفلسفة هي دراسة الحكمة فهل اللفظان مترادفان؟ كلا. فالفلسفة هي (الحكمة) من حيث هي (عملية) والأخلاق هي آخر درجة وأبعدها في الحكمة، كما يقول ديكارت في مقدمة كتابة (المبادئ).
وبين الأخلاق وعلم النفس صلة وثيقة، فلنتعرف على أحوال النفس وأحوال البدن ثم على ما بينهما من تفاعل. وكل ذلك نلتمسة بوضوح في رسائل ديكارت إلى الملكة كرستين والاميرة إليزابيث فضلا عن (بحثه في الانفعالات)، وفي هذه الينابيع الثلاثة عرف ديكارت لب الأخلاق من حيث هي السلوك الإنساني على أساس قوي من السلوك النفساني.
وعند ديكارت ألفاظ أخلاقية هي: الكمال والخير الأسمى والسعادة والنعيم المقيم واللذة والنظر والعمل والحرية والفضيلة والمعرفة والإرادة. ودراسة هذه الألفاظ ومدلولاتها عنده والصلة بينها وبين بعضها كل ذلك إدراك للعقد التي تجمع بين أطراف الأخلاق الديكاراتية:
يعرف ديكارت الخير الأسمى بالكمال إذ الخير الأسمى هو الحصول على كل الكمال الذي كل فعل خلقي خليق به والخير الأسمى لا يتضمن أي وسيله للسعادة، ولذلك هما متباينان أشد ما يكون التباين، ولا يتردد ديكارت لحظه في الفصل بين الحيز الأسمى وبين الله فيقول (من الممكن اعتبار طيبة كل شيء في ذاتها بدون ربطها بغيرها مما يكون معناه