المثقفين ولا سيما الذين تخرجوا في جامعات أوربة ربما أصابوا من العلم والخبرة ما فات الشيوخ. دليل ذلك مثلاً أن البعثات الأولى كانت تقنع بنيل إجازة كذا. وأما البعثات الأخيرة فقد أدركت أن هذه الإجازات ليست كل شيء: ذلك أن في مصر من يحملها فليست هي بالعزيزة ولا بالنادرة؛ ثم الإجازة شهادة، والمقدرة فيما وراء الشهادة، المقدرة في الاطلاع الواسع والتأليف الرفيع والإنجاز. هذا في باب العلم وعليه قس أبواباً أخرى
تلك حقائق فطنت إليها الوزارة الجديدة وأعلنها رئيس الوزراء ونحن نرقب ما يكون. نرقب وضع الشيء موضعه، فتُسند الوظيفة إلى من هَمُّه خدمة الأمة وباعثه الإخلاص ومقصده التقدم؛ ويشغل المنصب، سواء رفع أو وضع، صاحب الكفاية، والكفاية دليلها العمل المُنجَز؛ وببُعْد من الأجانب مَن في المصريين غنىً عنهم؛ وتُغلق المعاهد والمصالح التي لا تثمر أو تصلح من الأساس بغير تلطف ولا ترحم
بقي أن رئيس الوزراء قال:(كذلك نود أن لا يفوتنا الاتصال بالكتاب والمفكرين، فإنه يسرنا أن نحصل على تحقيق رقابة الأمة في مختلف صورها)
وفي هذا دلالة على أن الحكم في مصر بعيد عن الاستبداد بالرأي وأن للفكر دولته وعزته. ومن العسْف أن يهمل الحاكم نظر المستنيرين، فهم هم الذين يؤدبون الأمة ويهذبون الأذهان من طريق الكتابة والتعليم العالي. وعسى أن تنفسح المجلات الراقية - وفي مقدمتها الرسالة - لإشارات أهل الدراية والخبرة من الكتاب، فهذى الصحف اليومية مشغولة عن الجانب الفكري بسرد الأخبار المحلية الخاصة بالقطن والدفاع وغيرهما ثم ببرقيات السياسة الخارجية ومسير الحرب القائمة في أوربة الضائع حظها لانصرافها إلى المادة المطلقة وهيامها بالسلطان فالبطش
وإشارات أهل الدراية والخبرة من الكتاب يحق لها أن تتعدى جانب الثقافة إلى جوانب نشاط الأمة كلها. حتى الدفاع الوطني يلفت نظر المفكر الذي شهد وسمع من قبل. وأما الشؤون الاجتماعية فهي محور نظره، ذلك أن الحياة الاجتماعية تحكم جميع ألوان نشاط الأمة. وفي العدد المقبل - إن شاء ربك - حديث يجري على قلم الدعاية في وزارة الشؤون الاجتماعية.