المصرية الصميمة واستقلال المصريين أنفسهم بطلب الاستقلال، وتزويد الأمة بعدة العلم واليقظة والمثابرة، لأنه ما من وسيلة إلى الاستقلال في رأيهم أنجع من وسيلة فهمه والاستعداد له والإصرار على طلبه. ومن هذا الفريق كان أناس من فطاحل المصريين أمثال محمد عبده وسعد زغلول).
هذان هما المذهبان اللذان شاعا من مذاهب الحركة الوطنية بعد الاحتلال: مذهب مصر للمصريين، ومذهب الاعتصام بالسيادة العثمانية، أما لأنها دولة الخلافة، أو لأن السيادة العثمانية (حجة شرعية) لمحاربة الغاصب وإظهار مركزه (غير المشروع)
ولا يخفى أن مصطفى كامل رحمه الله كان من أنصار السيادة العثمانية، وكان يذكر الاستقلال ولا يذكر الاستقلال التام، وكان يقيم المحافل كل عام في عيد جلوس (المتبوع الأعظم) عبد الحميد سلطان آل عثمان ليؤكد ولاء المصريين للسيادة العثمانية. وقد انشأ الحزب الوطني فكان المبدأ الأول من مبادئه (استقلال مصر كما قررته معاهدة لندرة سنة ١٨٤٠، ذلك الاستقلال الذي يضمن عرش مصر لعائلة محمد علي مع الاستقلال الداخلي عن تركيا).
وكان المبدأ العاشر من مبادئه (تقوية العلائق بين مصر والدولة العلية).
ولبث أشياع مصطفى كامل على هذا الرأي حتى كتب اللواء يعيب على الأستاذ الكبير (أحمد لطفي السيد بك) أنه يطالب بالاستقلال التام ويخرج بذلك على أحكام القانون وعلى سنة الولاء للسيادة العثمانية، فاضطر الأستاذ يومئذ إلى التفرقة بين الاستقلال التام والاستقلال الكامل توفيقاً بين ما يدعو إليه وبين الصيغة الشرعية
ثم لبث أشياع مصطفى كامل على هذا الرأي إلى ما بعد الحرب العظمى وبعد الثورة الوطنية التي أعقبتها، فحولوا الأمر إلى أصحاب السيادة في الآستانة ثم في أنقرة، كأنهم هم الأصلاء وليس للمصريين أن يبرموا أمراً في هذه السيادة إلا بعد إبرام الأصلاء رأيهم في موضع الخلاف!!
وقد تعاقبت الحوادث وتمخضت الآراء فظهر بعد حين موقع الصواب من المذهبين، وضعفت حجة السيادة العثمانية شيئاً فشيئاً حتى أصب الجيل الحاضر يعجب كل العجب كيف كان هذا الرأي في يوم من الأيام موضع خلاف!!