أليس من العار أن تظل هذه الدولة المزعومة تشغل حيزا كبيرا من الفراغ، وتسيطر على قدر وافر من الرأي العام لتشله وتعطله، وتحوله عن مهام الأمور التي تتعلق بكرامة وطنه وبلاده، وتزرع في نفوسه عقيدة التخاذل والاستسلام والتواكل، فتفهمه أن استعمار الوطن الإسلامي قضاء محتوم من الله، والاعتراض عليه كفر، والتبرم به إلحاد، والنفور منه زندقة؛ وتقنعه بأن جور الحكومات إرادة مقدسة من الله، ومناهضته لؤم، ومكافحته تمرد، وناوشته تنطع وحمق؟
. . ثم ما هذه الأضرحة التي أضحت كعبة يحج إليها الجهلة من أطراف القطر، يطوفون حولها، ويتمسحون بنحاسها وقماشها، ويتوسلون بها في شفاء مرضاهم، وقضاء حوائجهم، ودفع الضرر عنهم، وسوق الرزق إليهم، وتنزح إليها من كل فج جحافل النساء من البله، لتتزوج العانس، وتزف البكر، وتلد العقيم، وتحل عقدة البائس، وتفرج كربة المنكوبة، وترد لوعة المهوفة؟
لقد أصبحت هذه الأضرحة مسرحا للجهل بأجلى معانيه، ومصنعا للخرافات التي لا مثيل لها إلا في عالم الأساطير، ومعهدا لتكييف أساليب الدجل حتى يخدع العقول، وتكييف أساليب الشعوذة حتى تضلل العقائد؛ فهذا الضريح ساكنه من الأربعة المتصرفين في مصاير الناس، المسيطرين على ركب الحياة؛ وذاك الضريح ساكنته هي صاحبة الشورى، إليها ترجع الأمور كلها، ومنها تصدر الأوامر جميعها؛ وضريح العارف بالله هذا متخصص في شفاء الأمراض المستعصية، والأدواء المزمنة، وترابه دواء للأعين الرمد، وعلاج للأجساد البرص؛ وضريح ولي الله ذاك، متخصص في جلب الأرزاق ودفع الأضرار، وتحصين الأطفال من الأوجاع والأسقام، والأرق والسهاد. .!
ثم ما هذه الموالد الصاخبة التي يتبع بعضها بعضا، ويعلن عنها في الجرائد ويدعى لها في الأسواق، وتتفضل وزارة الشؤون بالتصريح لها، وتتكرم وزارة الداخلية بالمحافظة على الأمن والنظام خلال أيامها، ويحرص قسم الوعظ والإرشاد على استغلالها، ليعظ أقواما حصنوا بالجهل ويرشد جهالا حقنوا بمصل الخرافات، ويصحح عقائد حمقى، اللجوء إلى الأضرحة أقدس عندهم من التوجه إلى الله، والتسكع حولها أخف لديهم من السعي في الأرض؟