ما هذه الموالد الصاخبة التي يظل الواحد منها بضعة عشر يوما من مشرق الشمس إلى مطلع الفجر، لا تسمع غير دق الطبول، ونهيق المزامير، وصياح الدراويش، وغوغاء المهرجين، ولا ترى غير أكداس مكدسة من الأفاكين المحتالين، وحلقات للحواة المشعوذين، وعصابات من أرباب الجراثيم المختبئين داخل جلابيب من الرقاع المزركشة، والمتوارين وراء العمائم الضخام، واللحى المتدلية، والسبح المشقشقة، والأعين المكتحلة، والحواجب المزججة، والعبارات المسجوعة التي ينخدع بها سمع الجاهل، وتنجذب إليها أذن الأبله، والألفاظ الغامضة التي تثير تطفل الفارغين، وتبلبل أفكار الأغبياء الساذجين، ولا تسمع غير صخب يقلق الأسماع، ويعكر الهدوء، وصيحات الذاكرين الذين يحترفون ذكر الله بهز الأبدان، ورقصات الأكتاف، وانتفاضات الرؤوس، لا يشغلهم عنه الصلوات المكتوبة، ولا الأقوات المطلوبة، ولا تكاليف الحياة التي لا يهرب منها سوى الضائع المهمل، والكسول المتواكل. .؟
لم هذه المخازي كلها اليوم؟ فإذا كانت من قبل ضرورة يقتضي بقاءها رغبة الاستعمار حتى يضمن غفلة الشعب، ورغبة الملك الطريد حتى يظل في أمن من يقظته، ورغبة الحكومات الجائرة حتى ترغمه على الذلة، وتفرض عليه الضعة والمسكنة، فأي معنى لبقاء هذه المخازي إلى اليوم لتكون وصمات عار في جبين الإسلام، وصفحات خزي في تاريخ الشعب المسلم، ونحن في عهد جديد يتعقب الاستعمار حتى يرحل إلى غير رجعة، ويضيق عليه حتى يتقلص ظله فيؤثر الانتحار على الحياة والجلاء على الاحتلال، وفي ظلال وثبة مباركة تتطلب في الشعب يقظة تسندها، وتؤيدها من الرأي العام صحوة تؤازرها وتباركها، ومن أين للشعب هذه اليقظة، وللرأي العام هذه الصحوة، وأحد جوانب الشعب معطل لا خير فيه، وأحد أركان الرأي العام خائر لا فائدة منه؟ من أين لهما هذه الكلمة وتلك، وهذه المخازي مازالت صامدة صمود الجبال أمام عواصف العهد الجديد، وموجات الوثبة المباركة؟ ومن أين للإسلام أن يقود النهضات، وأن يسيطر على مواكب الإصلاح، إذا كانت هذه المخازي لا زالت دولتها تقوم داخل الدولة باسم الإسلام، على رغم من استغاثته منها، والتبرؤ من فضائحها، وعلى رغم من صيحات المصلين من علماء الدين المعقولين، والمثقفين من الأغيار المسلمين. . .!