رسمك أبداً ماثلاً لعيني، حاضر في ذهني، فأنا في الحياة أعيش بك وأنساق بإرادتك. أكون مع الناس جميعاً في كل مكان، ولا أكون إلا معك. . . الغبطة التي تطغى على مصدرها أتت؛ والألم الذي يهد كياني مبعثه أنت. والمشاعر على اختلافها تتناوبني منك ولا أملك أن أشعر لنفسي وبإرادتي.
أتحبين يا فتاتي أن أصارحك بما ساورني ليلة أمس؟ إن نظرتك الواهنة التي خلتك تؤثرينني بها نظرة للجميع، فهي من هذه الناحية عادلة وهي مما خلالها ظالمة خادعة.
إنك يا فتاتي لغز، ميزتك الكبرى جاذبيتك، فأنت تجذبين محبيك ومبغضيك على السواء. ولا يملك المرء ألا يكترث لك
ليس جمالك بالفاتن ولا بالذي يلفت النظر. وقد تمرين بالألوف من دون أن تستوقفي أحداً، ويمر بك الألوف مر الكرام. لكن كيانك جميل كل الجمال، فاتن كل الفتنة، ولا بد من الوقوف عندك والتأمل فيك ليعلقك من يشاء ومن تشائين، ويأسره منك إلى الأبد تلك النظرة الواهنة، والابتسامة الحائرة، والوجه الذي لا يمتاز بشيء في تفاصيله ولكنه في جملته وحدة أخاذة
ما قولك يا فتاتي فيمن ظل أربعة عشر عاماً على رأي واحد فيك، وميل واحد نحوك، وكنت في خلالها طفلة في العاشرة، وزهرة في الرابعة عشرة، وثمرة شهية في العشرين، فما فكر في غير الحدب عليك، واستنشاق عبيرك، والتطلع إليك. لكنه لم يقطفك ولم يخنك
كانت زهرتك تغري بالقطف، لكنه كان فيك ما يرد الأيدي عنك. وكانت ثمرتك ناضجة شهية، لكنها كانت الثمرة المحرمة. وكنت عزلاء إلا من ذلك العفاف الذي ينبعث من كيانك طهراً وبراءة
ثم سددت يوماً إلى قلبي نظرتك المعهودة وفيها بريق غير معهود، ومعها حاشية طيعة من الضحك الواهن الغالب عليه الحياء. وألفيتك في مجلسي مرحة قد وسع فهمك مغازي الكلام، ودقت إجاباتك عليها
ثم ظللت جبينك العالي غمامة فأطرقت برأسك، واحتوتك كآبة وخفت صوتك، وكان سكون طال عليه الزمن أو قصر لا ندري، أو على الأقل لا أدري