قلنا إن مركز الحياة في الإنسان الأنانية التي تملى شخصيته على صفحة الوجود، والشخصية هذه عبارة عن حالة الجهد المستمر، فإذا احتفظ بتلك الحالة، بقيت الشخصية ثابتة البناء مشيدة الأركان، وإذا فقدت، ضعفت قواعدها وانتكثت مرائرها، وبما أن الشخصية أو حالة الجد المستمر أبعد الغايات للإنسان وأثمنها، فينبغي له ألا يدعها ترث قواها فتضعف، وتنحل عراها فتفنى. لأن بقاءها هو الذي يسبغ عليه الدوام والخلود، ثم فكرة الإبقاء هذه تعطى له أيضا معيارا للخير والشر أو الحسن والقبح. فإن كل ما يقويها خير وحسن، وكل ما يضعفها شر وقبيح، سواء أكان من نوع الفن أم الدين أم الأخلاق
على ضوء هذه الآراء انتقد إقبال فلسفة أفلاطون فدحض حجج جميع المذاهب الفلسفية التي تعتبر غاية الإنسان الموت بدل الحياة، فتلقنه الجبن والوهن وذلك بحمله على الأعراض عن المادة التي هي أكبر العوائق في طريق حياته، والابتعاد عن مقاومتها، مع أن جوهر الإنسانية في الاستيلاء عليها واستخدامها لنفسها بالبطولة والفحولة
وكما أن الاستيلاء على المادة ضروري لنيل الحرية والاختيار كذلك الغلبة على الزمن لازمة للحصول على الخلود والدوام؛ و (برجسون) قد علمنا أن الزمان ليس الخط اللامتناهي (في مفهوم الخط المكاني) الذي لابد أن نجتازه سواء رضينا به أم لم نرض. ولكن هذا المفهوم للزمن ليس بصحيح فإن مفهوم الزمن البحت لا يشمل مفهوم الطول
إن الخلود غاية الإنسانية وأمنيتها، يحوزه كل من يسعى لذلك، وحيازته تتوقف على تلك الأعمال والأفكار من حياتنا التي تقدر أن توطد أساس الأنانية على حالة الجد المستمر وتشيد أركانها، فديانة بوذا وتصوف إيران وأمثالهما من نظريات فلسفة الأخلاق لا تصلح لمأربنا وإن احتوت على بعض الفوائد وهو أننا بعد إجهاد أنفسنا واستغراق وسعنا بالاستمرار نحتاج إلى راحة قليلة لتجديد قوانا، فكأن تلك الطرق للأعمال والأفكار كالليالي لأيام حياتنا
وعلى كل حال فمتى تمكنت أعمالنا وأفكارنا من توطيد حالة الجد المستمر في الأنانية، فالأرجح أن الموت لا يؤثر عليها، بل محتمل أن تكون الفترة بين حياتنا الحاضرة وحياتنا الأخرى هي فترة الراحة، وتلك الفترة هي التي عبر عنها القرآن بعالم البرزخ الذي يبقى إلى يوم البعث، فتلك الأنانية وحدها يمكن ألا تتأثر من الموت وتخرج من الفترة فائزة،