والتأخر في دعوات القومية الضيقة التي عمت أوربا في القرون الماضية، وسرت إلينا عدواها في غيبة الروح الإسلامية الراقية السمحة التقدمية، وفتنت بما فيها من تعصب ضيق، بعض صغار العقول والنفوس، ملبية دسيسة الاستعمار في تمزيق أوصال المجتمع الإسلامي الضخم، والوطن الإسلامي الكبير، ليسهل على الاستعمار ازدراد أشلائه الممزقة باسم القوميات الضيقة الهزيلة، وتحت العنوانات الشتى المتفرقة!
ومن هنا كانت تلك الفقاقيع التي تحمل شتى العنوانات في شتى أنحاء العالم الإسلامي. وكانت تلك الزعامات الصغيرة التي تهتف باسم القومية، وتدعو إلى العزلة عن مشكلات العالم الإسلامي، وتسخر ممن يدعون إلى وطنية الإسلام الضخمة، وإلى التكتل الإسلامي الكبير.
ولقد كانت تلك الزعامة البائسة التي قادة ثورة سنة ١٩١٩ في مصر مثلا من أمثلة ضيق الأفق، والانعزال عن الفكرة الإسلامية والهدى الإسلامي، والانعزال تبعا لذلك عن الاتجاه العالمي في التكتل، والنظرة التقدمية لمستقبل البشرية.
ومن هذا الضيق والانعزال عن الهدى الإسلامي، جاءت الكوارث كلها، وطال أمد الصراع مع الاستعمار، ووقع ذلك الانحلال الخلقي، والانهيار الاجتماعي، وذلك الفساد الذي تعانيه البلاد، ويفتت كيانها تفتيتا. .
لقد كانت تلك الزعامة فقاعة صغيرة، في زبد الوثبة المصرية الكبرى. ولكنها مع الأسف حولت تلك الوثبة كلها إلى زبد ذهب كله جفاء. .
وما تزال مصر، وما تزال الشعوب الإسلامية تصارع ذلك الخبث الذي دسه الاستعمار في تفكيرها. خبث القومية الضيقة الهزيلة، التي تخدم الاستعمار ولا تخدم الشعوب. . ما تزال تصارع ذلك التمزق في جسم الوطن الإسلامي الكبير، في ضوء الفكرة الإسلامية التي انبثقت هنا وهناك، وتتجمع تحت الراية الإسلامية الخالة، أو تتنادى إلى هذه الراية الكلية الواحدة. التي تحول الوطن الإسلامي كله وحدة تتفق مع الاتجاه العالمي السائر إلى التكتل والاندماج، وحدات كبرى تجمع بينها نظم وأفكار، لا حدود جغرافية، ولا قوميات جنسية أو لغوية.
إنهم يفيئون شيئا فشيئا إلى النور الذي انبثق منذ أربعة عشر قرنا، سابقا لتفكير البشرية