كله، فلم تدركه إلا في القرن العشرين. وما يزال هذا النور سابقا لما وصلت إليه البشرية في التفكير.
فأما دعوة الشعوب الإسلامية إلى الشيوعية أو غيرها من المذاهب المادية الأخرى، فهي دعوة مضحكة تثير الهزء والاستخفاف بتلك الفقاقيع الآدمية التي تدعونا إليها؟
إذن ما الذي يدعو شعوبا بأسرها، يتجاوز تعدادها ثلاثمائة مليون مسلم، في شعاب هذه الأرض إلى التخلي عن فكرة أو عقيدة عاشت في ظلها أربعة عشر قرنا؟. .
فكرة سبقت الشيوعية سبقا بعيدا في التفكير الإنشائي المنظم لقيام وحدة عالمية، مقوماتها فكرة ونظام، لا حدود جغرافية، ولا أجناس بشرية، ولا ألوان ولا لغات. وبذلك كانت وما تزال فكرة تقدمية سابقة لقيادة البشرية كلها في طريق المستقبل؛ حافلة بالإمكانيات العملية المنظمة لتحقيق هذه القيادة الرشيدة؟
فكرة سبقت الشيوعية سبقا بعيدا - لا من ناحية الزمن وحده ولكن من ناحية طبيعة الفكرة وإمكانياتها - في تحقيق أساس صالح للوحدة العالمية، بريء من التعصب والقهر والكبت لأنها تسمح لكل عقيدة دينية أخرى أن تعيش في ظل هذه الوحدة، متمتعة بالحماية والرعاية والمشاركة في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والعمرانية، فلا تفرض نفسها على الناس، ولا تحرم مخالفيها حق الحياة والنشاط، كما تحرمهم الشيوعية؛ ولا تفرض عليهم دكتاتورية رجل ولا دكتاتورية نظام كما تفرض الشيوعية في القرن العشرين!
وأخيرا فهي سابقة في تحقيق عدالة اجتماعية كاملة، لا تصدم بالفطرة البشرية. . ولا تقيد النشاط الفردي. في ذات الوقت الذي تقف كل نشاط فردي دون المساس بالمصلحة العامة. وتجعل نتاجه كله ملكا للجماعة التي تعيش فيها.
إن دعوة شعوب تملك مثل هذه الفكرة إلى نبذها لاعتناق الشيوعية أو سواها تبدو دعوة مضحكة، لا يحاولها إنسان يحترم نفسه، إنما تصلح فقاعة هزيلة، ينادي بها بعض الشواذ، الذين يعانون عقدا نفسية مرضية، يجدون في الدعوة إلى الشيوعية تنفيسا عنها وراحة!
إن الدعوة الإسلامية تكتسح وتجرف كل هذه الفقاقيع في هذه الأيام. تكتسح فقاقيع القومية الضيقة الهزيلة في العالم الإسلامي كله من أقصاه إلى أقصاه. وتكتسح فقاقيع المباديء المادية على اختلاف مسمياتها. . وهذا الاكتساح هو الذي يتفق مع طبائع الأشياء. ويتفق