فالصناعات في مصر - على العموم - تتخذ شكل هرم، قاعدته التي تلامس الأرض للمصريين، وقمته التي تناطح السحاب للأجانب.
وهل بلغك أن في بور سعيد - المدينة المصرية - حيين يسمى أحدهما (حي الفرنج) ويسمى الآخر (حي العرب)؟ فأما البناء الجميل، والنظافة والأناقة والعناية بالوسائل الصحية ومظهر الغنى والنعمة، ومظهر المدنية والحضارة، فلحي الفرنج؛ وأما مظهر الفوضى والإهمال والبؤس والفقر وسوء الحالة الصحية ومأوى الفقراء ومسكن التواضع والرضا بما قسم الله فلحي العرب؟
أو هل سمعت أيضاً أن (مصر الجديدة) - وهي ضاحية من ضواحي القاهرة - يسكنها كثير من الأجانب فينعمون بشوارعها الفسيحة، وبيوتها الضخمة الأنيقة؛ ثم في ركن متواضع من أركانها ناحية تسميها الشركة (عزبة المسلمين) فيها كل ما لا يخطر على البال من تكدس السكان في حجرة واحدة ومن إهمال ومن أمراض ومن فقر وبؤس، يفر منها من يسكنون بجوارها هرباً بأنفسهم وبصحتهم، وهرباً بعيونهم عن مناظر القبح، وبآذانهم عن ألفاظ الهجر، وبأنوفهم عن كريه الريح؟
أوليس ما يثير عجبك، ويبعث دهشك، أن كلمة (الأحياء الوطنية) في مصر تحمل من المعاني كل أنواع السوء والفوضى والإهمال وكان يجب أن تحمل كل معاني العناية والنظافة والنظام؟
ثم هل رأيت الأجنبي في وسط الفلاحين في العزبة، هو وحده النظيف في ملبسه ومسكنه ومأكله. وهو الذي له عقل يدبر ماله ويعرف كيف يستغله، وهم المغفلون الذين لا يعرفون كيف يحسبون دخلهم وخرجهم، ولا يعرفون حساب أموالهم ولا يعرفون كيف يديرون شؤون حياتهم، فخضع هذا وهؤلاء لقانون الانتخاب الطبيعي وبقاء الأصلح؟
ثم هل علمت أن امتيازات أخرى بجانب هذه الامتيازات المادية، هي امتيازات عقلية أو نفسية؟
فإن غلبة الأجنبي في الصراع بينه وبين المصري في مرافق الحياة المادية أوجدت حالة نفسية شراً من الحالة المادية، مظهرها قلة وثوق المصري بنفسه وقوة وثوقه بالأجنبي. فإذا تعسرت حالة مرضية اتجه أهل المريض إلى الطبيب الأجنبي، وإذا أراد رب مال أن