ينجح في إدارته قصد إلى مدير أجنبي، وإذا تعقدت مسألة حكومية أو أهلية اختير لها خبير أجنبي، وإذا اختلف الباحثون في مسألة علمية كان الحكم الفصل قول المؤلف الأجنبي، وهكذا في كل شأن من شؤون حياتنا؟
واستتبع هذا تقويمنا للأجنبي قيمة غالية، ودخل في التقويم أجنبيته أكثر مما دخل في التقويم فنه أو علمه
ألم يبلغك الحادث الطريف الذي حدث بالأمس من مدرس ثانوي للغة الفرنسية يتقاضى أمثاله في وزارة المعارف فوق الثلاثين جنيهاً، فكان من سوء حظ هذا المدرس أن تجنس بالجنسية المصرية قبل أن يبت في مرتبه، فلما طبقت عليه القوانين المصرية والحوائج المصرية، كان نتيجة ذلك أنه لم يمنح إلا اثني عشر جنيهاً؟ أو لم يبلغك المصري الذي اخترع بالأمس نوعاً من طوب البناء فعرضه على الجهات المصرية فخاب أمله، ثم عرضه في إنجلترا فأقرت قيمة اختراعه، ثم تأسست شركة إنجليزية برأس مال إنجليزي لاستغلال هذا المخترع المصري؟
والأمثلة على ذلك كثيرة تحدث كل يوم، فيكاد يكون مغروساً في أعماق نفوسنا أن القبعة لا توضع على رأس سخيف، وأن الطربوش لا يمكن أن يلف رأس نابغ
إن كان في مصر دائن ومدين، فالدائن الأجنبي والمدين المصري.
وإن كان في مصر غنى وفقر، فالغنى للأجنبي والفقر للمصري.
وإن كان في مصر ذكاء وغباوة، فالذكاء للأجنبي والغباء للمصري.
وإن كان في مصر نعيم وبؤس، فالنعيم للأجنبي والبؤس للمصري.
هذه الامتيازات في المادة والعقل والنفس شر مما اصطلحنا على تسميته بالامتيازات الأجنبية
ومن الأسف أنها لا تحل بمؤتمر كمؤتمر مونترو، ولا باشتراك الدول ومفاوضتها، ولا بمعاهدة، ولا بقانون
إن حلها أصعب من ذلك كله
إنها تحتاج إلى عقول جبارة، وإرادات من نار، وحمية لا حد لها، ووطنية قوية وثابة
إنها تحتاج إلى مؤتمرات لا من جنس مؤتمر مونترو، إلى مؤتمر يتكون من فطاحل في