الأسباب). أصحيح أن قلبي موزع بين الأدب والحقوق؟ ذلك ما لا أعتقده، ولكنني لن أعترف بهذا إلى أستاذي الذي لم ينس بعد أنني نلت أجازة في الأدب. إنه يبني علي بعض الآمال ومن الطبيعي أن أبني عليه - بدوري أنا - بعض الأماني في الفحوص المقبلة.
وماضي حياتي تختصره ورنقتان نلتهما وثالثة تتراءى لي عن بعيد، وأوشك أن أنالها، ثم خال ذو ثروة كبرى. وإلى تاريخ ١٠ ديسمبر ١٨٨٤ لم يكن ثمة حادث يذكر ولكن من يستطيع أن يضمن جمود الحياة فلا تتطور، وهذا حادث خطير جرى لي بعد ظهر هذا اليوم فأثر في نفسي أثره العميق وهاج من خواطري كلما أمعنت التفكير والتحليل له والوقوف عنده.
كثيراً ما كنت أذهب إلى دار (المكتبة الأهلية) للعمل في صالة المخطوطات الخاصة التي تضم بين جدرها الطبقة المشهورة من الكتاب والعلماء المرخص لهم بالعمل فيها، وكنت في كل مرة ألج باب هذه الصالة أحس بشعور الغبطة والكبرياء لوجودي في مكان لا يقبل إلا من كان على جانب من الشهرة وذيوع الاسم. وأتخطى برهبة سدة الحارس الذي اتخذ مكانه إلى رتاج الباب يستقبل الزائرين القدماء ببسمة لا تخرجه عن وقاره وهيبته عندما يمرون به إلى مقاعدهم. ولم تكن بيني وبينه هذه المعرفة الزمنية حتى يجود عليَّ بابتسامة، ولكنه على كل حال كان يستقبلني بانحنائة قصيرة من رأسه وقد اعتاد أن يراني كل يوم فلا يطلب مني البطاقة كما كان يطلبها من الزائرين الجدد وفهمت أنني أصبحت فرداً من أفراد العائلة فما عليَّ إلا أن أجوس خلال البيت بأمن وسلام.
ها أنذا في هذه الصالة الفخمة أسرح البصر في اتساعها وجدرها المزينة التي تشبه في أصباغها الجميلة الألواح الفنية الرائعة فتبعث في النفس شعور الإجلال والتعظيم. وعلق بصري بما يشبه المنبر فتبينت أن هذا المكان يجلس فيه النفر المختار من رواد هذه الدار الذين يتمتعون بألقاب العلم وأوسمة الأندية الأدبية. وينتثر إلى جانبي هذا الممر على صورة أصبحت عادية سكان المكتبة العلماء، ومن يتأملهم مقوسي الظهور مطرقي الرؤوس حادبين على كتبهم يفترسونها بصمت وسكون رهيبين يتعظم في نفسه تأثير الفكرة في العقل البشري ومبلغ اجتياحها في رؤوس هؤلاء التي قلت شعورها، ومع ذلك فإن هذا الجمع من القرعان كان لا يعدم بعض من برقت شعورهم