للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وغالبا ما ينقطع بعض هؤلاء العلماء القراء - عندما أمر - عن القراءة فيشخصون إلي بعين (تائهة) بلهاء لا تميزني جلياً لإغراقها في القراءة والتفهم، ولكن هذه الأبصار كانت تنحسر عني عندما تلمح تقطيب وجهي فتتصهب العيون وتعود إلى ما كانت عليه وهي أشد ما تكون نشاطاً وشوقاً وندماً على أن أضاعت الوقت في تفحص هذا الآتي الغريب. ولكني كنت أحس بخواطر هؤلاء وبما هم دائبون فيه. هذا يبتدر رفيقه بأنه يدرس منشأ الصناعات والحرف وأصولها، وذاك عاكف على دراسة عصر لويس الثاني عشر، وآخر يهمس في أذن رفيقه: أنا أدرس أحوال المرأة المدنية في عصر طيباريوس، ويسرع آخر إلى شده الجمع بأنه يبحث عن ترجمة جديدة لهوراس. وشعرت بأن جميع من في هذا المكان يبتدرني بالسؤال: وأنت أيها الحدث ماذا جئت تفعل هنا؟ ألا لا تعكر صفو هذا المكان الوقور

ماذا جئت أفعل هنا؟! وا أسفاه!. . . يا سادة. . . وهل أنا في حاجة إلى أن أقول لكم إن خالي ما فتئ يستحثني ويلحف علي في إنهاء أطروحة الدكتوراه ويضطرني إلى العودة إلى الريف ويبدي سأمه من بطئ الوضع والتأليف، وها هو ذا صراخه في كتبه إلي: (أقلل من النظريات يا بني؟. . . أسرع إلى العمل ودع عالم الخيالات والأحلام وما الذي أهاب بك إلى انتقاء هذا الموضوع دون سواه؟. .) والواقع أن موضوع (أطروحتي الرومانية) انتقى خصيصاً لتمديد إقامتي في باريس. (لاتين جونيوس) هذا موضوع أطروحتي - أيها السادة القراء - وأنه لموضوع طريف كما ترون ولكنه صعب عسير التوضيح، وليس بينه وبين الحياة العملية أقل صلة أو علاقة وهو يسبب لي تعباً كثيراً ونصباً جما، ويا ليتكم تتصورون بعض ما أقاسيه من مشاق الدرس والمراجعات والمطالعات

ومن الصدق والواجب أن أقول إنني كثيراً ما أمزج مع هذه المشاق بعض القراءات المسلية الجذابة وأرود أمكنة المعارض والملاهي وأن خالي يجهل من أمري كل شيء إلا أنني مدمن للكتب والموسوعات ومغرق في استنطاق أسطرها ومتونها وهوامشها وأن خالي ليعجب كثيراً بابن أخته الناشئ، هذا الراهب الناسك (البندكتي) الذي لا يفارق دور العلم وأروقة (المكتبة الأهلية) في باريس، بابل الحديثة - كما يسميها - مفنياً لياليه وأيامه مع (غايوس) مستصحباً (لانتييه) غير عابئ بكل ما لا يمت إلى هؤلاء بصلة. وأنا أحرص

<<  <  ج:
ص:  >  >>