هذه صورة مختصرة وددنا أن نظهر بها للقارئ حالة الأمم قبيل ظهور الإسلام، من ناحية المالية العامة لكي تتضح له الخطوة الجبارة التي خطتها الدولة الإسلامية في هذا السبيل، ولكي يدرك أيضاً أهمية تلك الخطوة في إرشاد الناس إلى جلالة هذا الموضوع في توجيه العالم نحو هذا الوضع الذي تتمتع بع الأمم الحديثة اليوم في تنظيم ميزانياتها على أساس العدل والمنفعة العامة.
أننا نجد - للمرة الأولى في التاريخ - وذلك على عهد الإسلام تلك العناية الكبرى التي توجه نحو أموال الأمة في جبايتها
وصرفها وفي اعتبارها أنها لا تخص فرداً معيناً، إنما هي أموال الأمة جميعاً ويجب أن تنفق على مصالحها الحيوية بكل دقة.
ولا حاجة بنا أن نذكر هنا ما كان الخلفاء يلزمون أنفسهم به - في العناية بأموال الأمة - من شدة وتقشف. وإن ما يرويه التاريخ عن عمر بن الخطاب أو علي بن أبي طالب أو غيرهما لدليل كاف على عظم تلك الخطوة التي خطاها المجتمع على عهد الإسلام في سبيل التمدن الحقيقي.
لسنا نود التوسع في هذه الناحية فهي أوضح من أن تحتاج إلى توسع، ولكننا نريد أن نبحث في ناحية أخرى من هذا الموضوع، وهي ناحية العدل في توزيع عبء الضريبة على الأفراد إذ هي في الحقيقة من أعظم النواحي شأناً في علم المالية العامة.
إن من الهيّن - نسبة - أن تعُد للضرائب إدارة كفؤة تستطيع بها أن تجهز للأمة ما تحتاج إليه من مال في سبيل مصالحها العامة، ولكن الصعوبة كل الصعوبة هي في فرض الضريبة العادلة التي تنتج خير ما يمكن من الآثار الاجتماعية والاقتصادية. حقاً لقد شغلت هذه النقطة أقلام الباحثين في هذا الزمن أكثر مما شغلتهم أية ناحية أخرى من هذا العلم الواسع.
لقد كان الرأي السائد منذ آدم سميث أن الفرد يجب أن يؤدي إلى الحكومة مبلغاً يتناسب مع جسامة موارده الخاصة.
يظهر أن في هذا الرأي شيئاً من الحق، إذ من العدل أن يساهم الفرد في مالية الدولة