واختلط الدين بالسياسة في الدولة العربية، وكان محور التقائهما مشكلة الخلاف التي اصطرعت حولها الأحزاب وقامت باسمها الدولات، وامتزج الدين السياسة في إنجلترا عهداً، وكان مدار امتزاجهما سلطة الملك وحقوق الشعب، فالملكية تدعي الحق الإلهي والسلطان المطلق في شؤون الدين والدنيا، والشعب يريد الحرية في كلا الأمرين ويحد سلطة الملك في الناحيتين، وتأثر الأدبان بهذا التداخل بين الدين والسياسة.
ويدين الأدب الإنجليزي للديانة بثلاث أياد: الأولى وضع من أوضاع الأدب هو الرواية التمثيلية، التي نشأت في العصور الوسطى في الكنيسة حيث كان يمثل عذاب المسيح والآم الشهداء وخبائث إبليس، وتمثل الفضائل والرذائل شخوصاً متحاورة، فمن هذا البدء الساذج نمت الرواية التمثيلية التي ازدهرت في عهد شكسبير، والتفتت إلى دراسة الإنسان والمجتمع، واليد الثانية أثر أدبي خطير من نفائس الأدب الإنجليزي، هو ملحمة ملتون الفردوس المفقود، التي أوحى إليه بها الروح الديني الذي ساد عصره، والعراك الديني الذي خاض غماره، واستعار مشاهدها ومعالمها من الإنجيل الذي كان به في عهده أسمى مكانة، وأخيراً للكنيسة فضل على الأدب الإنجليزي إذ كان من رجالها من ساعدهم الفراغ الذي ينعمون به على الانصراف إلى الأدب، بل كان منهم من ألحقوا بالكنيسة عمداً ليحظوا بذلك الفراغ وذلك الانصراف، ومن مشهوريهم سويفت ودَن وكنجزلي.
وليس في الأدب العربي ما يقابل هذه الأيادي التي أسدتها الديانة والكنيسة إلى الأدب الإنجليزي: فقد أكبر المسلمون شخص نبيهم عن كل تمثيل وتشخيص، وانتهت حياته بالظفر الأكبر لا بمأساة كمأساة المسيح. وإن يكن في تاريخ الإسلام ما يشابه تلك المأساة فهو مصارع أبناء الإمام علي التي خلدتها الأشعار الباكية، وإذا كانت رسالة الغفران تشابه الفردوس المفقود في امتداد مشاهدها في العالم الآخر فهي تخالفها في كل شيء آخر لاختلاف المؤلفَين؛ ثم إنه لم تكن في الإسلام هيئة دينية رسمية تكاد تقصر على أبناء العلية ومن يلوذ بهم كالكنيسة الإنجليزية.
وفي الأدبين العربي والإنجليزي آثار طريفة للنزعة الصوفية، التي هي من أسمى مظاهر الروح الديني، وإن خرجت عن مألوف المتدينين في أشياء، وأنكر منها رجال الدين أحياناً أموراً، واتخذت لها رموزها وطرقها الخاصة التي تستغلق على غير أربابها، وأظهر