أصحاب هذه الطريقة الرمزية في الأدب الإنجليزي بليك، وأجزلهم في العربية شعراً وأسيرهم ذكراً ابن الفارض.
وجاءت النهضة العلمية والفلسفية بعد النهضة الدينية في كلتا الأمتين، تمثل ذلك عند العرب في ذيوع الفلسفة اليونانية، وعند الإنجليز في ارتقاء العلوم المادية كعلوم الحياة وطبقات الأرض والكيمياء والطب، وتطبيق نظرية النشوء والارتقاء عليها وعلى العلوم الاجتماعية، فقام الصدام بين الدين والعلم والفلسفة، وانعكس ظله في الأدب، وأوضح مثال للشك العلمي في العربية شعر المعري، وفي الإنجليزية شعر تنيسون وهاردي.
كان انتصار المطهرين الذين وضعوا أساس حرية الشعب الدينية والسياسية أوج احتفال الإنجليز بالمسائل الدينية وظهور آثارها في أدبهم، وبعدها هبط إلى المحل الثاني من تفكيرهم، ولم تقم له إلا حركات قليلة الشأن في القرن الماضي، إذ كان يحاول كل من فريقي البروتستانت والكاثوليك جمع الأنصار حوله، وظهر في ذلك المعترك من الأدباء المتحمسين للدين جملة، أشهرهم نيومان ثم تشسترتون المتوفى حديثاً، وكانت آراء داروين في منتصف القرن الماضي ضربة شديدة وجهت إلى روايات الإنجيل في شأن الخلق، فانصرف جمهور الناس نهائياً عن التحمس للدين ورجاله، وهكذا بعد الأدب الإنجليزي عن الدين وتأثيره في العصور الحديثة بعداً كبيراً.
أما تأثر الأدب العربي بالإسلام فكان أشمل وأبعد مدى وأطول أمداً من تأثر الأدب الإنجليزي بالمسيحية لأسباب عديدة: أولاً إن الإسلام نشأ بين أظهر العرب فشهدوا مبعثه وجهاده وظفره على الوثنية؛ وثانياً أنه كان أساس دولتهم وقطب سياستهم الداخلية؛ وثالثاً أنه ظل دائماً مجاهداً أعداءه مغيراً تارة ومدافعاً أخرى، فكان قطب السياسة الخارجية أيضاً في أحوال كثيرة؛ ورابعاً أنه كان بعد انتشاره محور العلوم والآداب وكان القران أساس الثقافة التي يؤخذ بها الناشئون؛ وخامساً أنه سوَّى بين الداخلين فيه فقام منهم مقام الوطنية في الأمم الأخرى؛ وأخيراً أنه بأحكامه يشمل أمور الدنيا شموله شؤون الآخرة، ويحيط بقواعد المجتمع الذي هو مبعث الأدب، فلا غرو إن تأثر الأدب العربي في كل عصوره بالدين روحاً ومظهراً وغرضاً وأسلوباً.
فظهور الإسلام بين العرب ترك أثره في شعر الشعراء، بين مهاجم له ومدافع عنه ومادح