للرسول (ص)، وظلت مدحة الرسول في كل العصور غرضاً من أغراض الشعر؛ وجهاد الإسلام أعداءه فاتحاً أو منافحاً مدى القرون الطويلة، تجلى أثره في خطب الخلفاء والقواد وأشعار المادحين للأمراء المنتصرين على الروم أو الوثنيين أو الأسبان أو الصليبيين، لاسيما وقد كان ذلك دائماً مصطبغاً بصبغة القومية، فقد كان الإسلام يجمع شعوبه في عصبة أمم واحدة ذات شعور مشترك وأعداء مشتركين، ومن أشهر آثار ذلك كله في الأدب يائية أبي تمام في فتح عمورية، ومدائح المتنبي لسيف الدولة، وقصائد الأبيوردي، والبهاء زهير، وابن مطروح في الحروب الصليبية، ومدائحهم للأيوبيين، ومراثي الأندلس وصقلية، كل هاتيك يخفق فيها الروح الديني، ممتزجاً بالوطنية والسياسة وتمجيد الدولة القائمة.
وفي داخل الدولة كان الدين - متمثلاً في مسألة الخلافة - محور السياسة ومصطرع الفرق ومشتجر الآراء ولثام المطامع ولواء الثورات وشغل الشعوب، فلم يكن هناك صراع بين ملكية مستبدة وشعب متشبث بحرياته، ولم يكن هناك محافظون وأحرار، ولا اشتراكيون ورأسماليون، ولكن كان هناك خوارج غلاة في الدين يحبذون الشورى ويقرون الخلافة في الأصلح لها، وأمويون وعباسيون وعلويون، كل منهم يدعي الإمامة، ومرجئة ومعتزلة يحظون حينا بتقريب البلاط، ويستهدفون حينا لمقته، وعامة الشعب في أغلب العصور مع شيعة عليّ لمكانة سلفهم العظيم من النبي وقدمه في الإسلام، ولما حاق بالغطاريف من ذريته من تنكيل جَمَعَ بينهم وبين الشعب المقهور بعطف متبادل.
ومرآة كل ذلك جلية في أشعار أقطاب الخوارج، ومتشيعي الشعراء من عهد الكميت وكُثيّر والفرزدق، إلى زمن ابن الرومي إلى عصر عمارة اليمني الذي رثى دولة الفاطميين رثاء موجعاً، وفي أشعار طالبي الدنيا المناصرين للدولة القائمة المؤيدين لدعواها، كمروان بن أبي حفصة، وفي نثر زعماء المذاهب ونظمهم في بيان آرائهم والنضح عن مبادئهم، كخطب واصل بن عطاء وشعر صاحب المرجئة الذي يقول منه:
نرجي الأمور إذا كانت مشابهة ... ولا نحاور فيمن جار أو عندا
ولا نرى أن ذنبنا بالغ أحدا ... ما الناس شركا إذا ما وحدوا الصمدا
وشمول روح الدين أو مظهره لكل مرافق المجتمع وقواعده الدولة على هذا النحو ترك في