للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

رضاءها عن القدر، وهنالك جميزة صغيرة سعيدة بمواقف العاشقين تحتها. وهي تراقب الأزواج بعين خبيثة ولكنها تكتم أسرارهم.

وثمت شيء من الشعر الذي يصف ألوان الجمال النسائي. وهذه هي أهم صفات هذا الجمال المنشود (شعر حالك كالليل، وأسنان اسطع من لمعان الصوان، وقامة رشيقة، وصدر صلب طافح).

وإذا قارنت هذا الجمال بما جاء في تماثيلهم وصورهم عرفت أن المصريين قد أهملوا رقة الصور والأشكال في الجمال، فكانوا على نقيض الشرقيين المعاصرين الذين يحبون (الخط الأهيف في الجمال الفتي) الذي يعدهم في العالم الثاني بامرأة لها شباب خالد.

وفي هذا الأثر الأدبي الذي أبقى عليه الزمن، ترى عمل المخيلة الصافية فيه مهملا، وتعاليم الفن والعلم والأدب التي وضعت لخدمة الدين والدولة جاءت غنية الخطوط، طابعة الحضارة المصرية بطابعها.

أما مصر القديمة فلم تكن الا في القليل النادر بلد البراعة المنزهة عن الغرض، والتي جاءتها من أجل الفن. فعلمها للعلم المجرد، وتفكيرها للتفكير المطلق، وأدبها للأدب النفسي، وأعمالها العظيمة المجهولة الاسم قد وضعها أربابها بدقة ومهارة في سبيل خدمة مذهب فني يسمو إلى غايات اجتماعية ودينية. وهكذا ضيق الجمال المصري باكراً ساحة الإبداع على المبدعين القادرين، ولكنه لم يهن ولم يقصر في تحليل كل ما يقدسه الشعب ويجله من تعاليم السلطة والصلاح والأدب. فكان أعظم ميزاته وأسمى سماته تمثيله بالرموز معنى النسل. وسهولة فهم مثله الأعلى الشريف، وكل ذلك بأسلوب يستحيل التقليد فيه، وعلاء يصعب السمو اليه.

خليل هنداوي

<<  <  ج:
ص:  >  >>