الفتح التركي، فاستمرت تحت السيادة التركية حتى كان الفتح الفرنسي وظهور محمد علي؛ ولم يطل أمد استقلالها عندئذ، حتى عادت فوقعت في قبضة الإنكليز، واتصلت بذلك حلقات استعبادها الطويل.
وتصوير أدوار التاريخ المصري على هذا النحو تصوير خاطئ من الوجهة العلمية، وتصوير مغرض وضعه الكتاب الغربيون منذ أوائل القرن الماضي - وهم أول من كتب عن تاريخ مصر في العصر الحديث - ومعظمهم متأثر بنزعة الغرب إلى استعمار الشرق، وتبرير هذه النزعة بالعوامل التاريخية والاقتصادية ونشر المدينة الحديثة. وقد كان لدعواهم أثر كبير في معظم ما كتب عن مصر؛ بل لقد تأثر بها الكتاب المصريون أنفسهم، وتأثرت بها دراسة التاريخ في مصر وبرامجه الرسمية؛ وأضحى واجباً علينا أن نحارب هذه النظرية الخطرة في كل مناسبة، وأن نبين خطأها من الناحية العلمية.
لقد توالت على مصر حقاً عصور طويلة من الغلبة والاستعباد، ولكنها تمتعت أيضاً بعصور طويلة من الحرية والاستقلال والسؤدد القومي. وقد قطعت مصر أيام الفراعنة آماداً بعيدة في ظل الحريات القومية والاستقلال المطلق، وكانت سيدة إمبراطورية مصرية تمتد من قلب السودان إلى الشام؛ وكان لها في تلك العصور من القوة والعظمة والمدنية الزاهرة، ما لم تتمتع به أية أمة من الأمم الغابرة. وإذا كانت مصر قد سقطت في عصور الانحلال فريسة النير الأجنبي، واستمرت ترزح نحو الف وخمسمائة عام تحت نير الهكسوس والفرس واليونان والرومان، فقد تمتعت بحرياتها واستقلالها قبل ذلك آلاف السنين.
ويبدو خطأ نظرية الكتاب الغربيين بنوع خاص في الحكم على تاريخ مصر منذ الفتح الإسلامي، فهم لا يكتفون باعتبار هذا الفتح بدء عصر جديد من الاستعباد بالنسبة لمصر، بل يرون أن مصر كانت طوال الدول الإسلامية التي تعاقبت عليها، أمة مسودة خاضعة لنير الحكم الأجنبي، ويعتبرون هذه الدول كلها، دولا غازية سيدة؛ وهو خطأ كبير في فهم الحقائق التاريخية وفي تصويرها. ويجب أن نذكر أولاً أن الأمة المصرية لبثت أيام الفرس واليونان والرومان تحتفظ بطابعها الفرعوني القديم، وأن هذه الدول الغازية لم تستطع أن تجعل من الأمة المصرية المغلوبة وحدة من وحداتها الاجتماعية، وأن كانت مصر قد