معالجة هذه المسألة الخطيرة، على ناحية أو ناحيتين منها، مكتفية بما ساقته المصادفات أمامها من المشاكل، فتفاوض في رياسة الدوائر أو في مسألة اللغة العربية، أو في غير ذلك من المسائل التفصيليلة. وما هذه وغيرها ألا أعراض لمرض مستحكم، لا تجدي فيه معالجة الأعراض دون استئصال مواطن الداء. يجب أن يكون للحكومة المصرية خطة شاملة عامة لمعالجة مسألة الامتيازات في مجموعها. وهذا ما جعلني أدلي برأي في هذا الموضوع الخطير، وادعوا رجال القانون إلاالإدلاء بآرائهم، حتى تتمحص الآراء، فترتسم أمامنا الخطة العملية لتخليص البلاد من هذه النكبة.
لا يجوز أن ننسى أن مسألة الامتيازات لها جانب سياسي غير جانبها القانوني. وقد يكون هذا الجانب السياسي هو أشد الجانبين استعصاء على الحل. وكل محاولة ترمي إلى إيجاد حل عادل للمسألة، ولا تبدأ بمعالجتها من جانبها السياسي، مقضي عليها بالفشل. إنجلترا تزَّعم لنفسها حق حماية المصالح الأجنبية في مصر. وقد تقدمت بهذه الدعوى في مشروع ملنر، وفي تصريح ٢٨ فبراير، وفي مشروع كيرزون، وفي كل المشروعات التي تلته. وقد كانت تفرع على هذه الدعوى دعوى أخرى لا تقل عنها انتقاصاً لسيادة البلاد: كانت تطلب أن تأخذ من مصر تفويضاً تتولى بمقتضاه مفاوضة الدول ذوات الامتيازات. ثم نزلت عن هذه الدعوى منذ المفاوضات التي دارت مع المرحوم ثروت باشا. ويظهر أنها أخذت تفكر أخيراً في الرجوع ثانية إلى هذه الدعوى.
فهناك أمران يجب الاحتراز منهما في أية محاولة نقدم عليها لحل مشكلة الامتيازات:(أولاً) ألا نعطي لإنجلترا سبيلا لمفاوضة الدول ذوات الامتيازات. فان المعاهدات التي تقوم عليها الامتيازات الأجنبية قد ورثنا بعضها عن تركيا وعقدنا البعض الآخر مع الدول. فقيام إنجلترا بالمفاوضة ليس معناه إلا تسليما منا بدعواها حماية المصالح الأجنبية. وإلا فان الوضع الطبيعي للمسألة يقتضي إلا يكون تعديل هذه المعاهدات أو إلغاؤها إلابمعاهدات تكون مصر طرفاً فيها. ولا يمنع هذا من تلمس معونة إنجلترا ووساطتها الودية في المفاوضات التي تقوم بها الحكومة المصرية مع الدول، والفرق كبير بين ان تبذل إنجلترا وساطتها لتأبيد جهودنا وبين ان تكون هي الطرف المفاوض. (ثانياً) أن تلقى بنا رغبتنا الملحة في التخلص من الامتيازات فيما هو أشد خطراً منها. فما دامت إنجلترا على دعواها