من حماية المصالح الأجنبية، فان أي حل توافق عليه يكون من شأنه تأييد هذه الدعوى وتدعيمها. فالواجب إذن أن ننظر في المسألة من أساسها، وأن نقدم معالجة دعوى إنجلترا في حماية المصالح الأجنبية على معالجة الامتيازات، ولا نحاول الثانية قبل أن ننتهي من الأولى. وإلا فان التسليم لإنجلترا بحماية الأجانب في مصر انتقاص خطير من سيادة البلاد، وفتح الباب لتدخل الإنجليز في شؤوننا الداخلية.
نرى مما تقدم أن المساعي التي تبذلها مصر في إلغاء الامتيازات الأجنبية يجب أن تكون مسبوقة بتفاهم تام مع إنجلترا، على أن تعديل هذه الامتيازات أو إلغاءها لا يكون إلا على أساس أن تسترد مصر حقوق سيادتها التي انتقصت منها هذه الامتيازات؛ لا أن تنتقل هذه الحقوق إلى إنجلترا. فإذا تم هذا التفاهم، سواء أكان ذلك في مفاوضات عامة شاملة لحل المسألة المصرية في مجموعها، أم في مفاوضات خاصة بهذه المسألة إذا لم يتهيأ السبيل لمفاوضات عامة. يمكن بعد ذلك تلمس السبيل العملي للوصول إلى إلغاء الامتيازات.
ونحن نقترح سبيلا عمليا يكون سيرنا فيه مقروناً بالحكمة، فلا نتخذ تدبيراً إلاإذا دعت إليه الضرورة. نحاول اولاً التفاهم مع الدول ذوات الامتيازات أنفسها على تعديل النظام الحالي للامتيازات، فقد أصبح هذا النظام يصطدم مع الكرامة والعدالة والمصلحة. فان لم تفلح عرضنا على إنجلترا أن تؤيدنا في إلغاء الامتيازات بإعلان يصدر من جانبنا، بشرط ألا تجعل من هذا التأييد وسيلة لتثبيت دعواها في حماية المصالح الأجنبية؛ فان لم نفلح أخذنا على أنفسنا مسئولية إلغاء المحاكم المختلطة وإلغاء الامتيازات معاً، أو الاقتصار على إلغاء النظام الأول دون الثاني. ونفترض في كل هذا أن الشعب المصري يؤيد الحكومة التي تتولى اتخاذ هذه التدابير، إذ لا يجوز لأية حكومة مصرية لا تحوز ثقة الشعب أن تقدم على إلغاء الامتيازات، فان الأقدام على هذا الأمر الخطير يقتضي أن يكون للحكومة سند من الشعب، والحكومة التي تفقد هذا السند ليس أمامها إلا أن ترتمي في أحضان إنجلترا، فتجر على البلاد نكبة أشد وبالا من نكبة الامتيازات.
وها نحن أولاء نفصل ما أجملناه، ونقسم السير في الطريق الذي نقترحه إلى خطوات:
الخطوة الأولى
تستصدر الحكومة المصرية مرسوماً بإلغاء المحاكم المختلطة طبقاً لقانون نمرة ٢٨ سنة