للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فأقول: (ألا أقول لك وأريحك؟)

فتقبل عليّ مسرورة وتسألني: (ماذا؟)

فأقول: (أفرغي أنت الصناديق، ورصي الكتب على الرفوف - عليّ أي ترتيب - وارفعي التراب، واقتلي الصراصير، وطاردي الفيران - وعلى الجملة نظفي الغرفة - هيه؟ ما قولك؟)

فتوافق، وأعود من عملي فألقي المكان نظيفاً، فلا فيران ولا صراصير ولا تراب، ولا صناديق، ولكني أحتاج إلى أن أرجع إلى كتاب، فأفتح خزانة بعد أخرى وأنظر إلى ما تكدّس على رفوفها فأرتد يائساً وأصيح بزوجتي: (يا امرأة! أين وضعت ابن الرومي؟) مثلاً!

فتقول: (عندك بالطرد) فأسألها: (أواثقة أنت أنك لم تضعيه في المطبخ؟)

فتقول محتجّة: (المطبخ؟ كيف تقول هذا؟ أهذا جزاءي على تعبي؟)

فأقول: (معذرة، ولكني لا أراه هنا) فتقول: (ابحث عنه) فأبحث - أعني إني أروح أخرج من الخزانة صفاً بعد صف، وأضع ما أخرج على الأرض هنا وههنا، حتى تخور قواي، وينفذ صبري، ويهي جلدي، وأنظر إلى ما فرشت به الأرض فأجزع، وأغافلها - أعني زوجتي - وأتسلل خارجاً، وأرد الباب ورائي حتى لا ترى شيئاً وأعود في الليل، وفي ظنّي إنها نائمة، وفي عزمي أن أعيد الكتب إلى الرفوف، فأفتح الباب برفق، فإذا الكتب قد وثبت بقدرة ربك، وصفت نفسها على الرفوف، وتزاحمت، ودخل بعضها في بعض - خوفاً من الفئران ولا شك! فأتنفس الصعداء وأفرك كفّي، وأقول: (الحمد لله! يا ما أكرمك يا رب!)

وإذا بزوجتي تقول: (وأخرتها معاك! ألا يمكن أن تعيد كتاباً إلى موضعه بعد إخراجه؟ ألا بدء أن ينشف ريقي كل يوم بسبب هذه الكتب؟ شيء غريب والله! كيف ومتى يمكن أن أفرغ للبيت إذا كانت هذه الغرفة همّاً لا ينقضي؟ وأحب مرة أخرى أن أقرأ في كتاب، فأدخل الغرفة، فتدخل ورائي تجري، وتتناول ذراعي وتشدني فأستغرب وأسالها (ماذا؟)

فتقول بحدة (ماذا أنت؟) فيزيد عجبي وقول: (ماذا أنا؟ ألا تعرفين ماذا أنا؟ سيدك يا ستي!)

فتقول وهي تجاهد أن تعبّس، والضحك يغالبها: (دع المزاح الآن! ماذا تريد أن تصنع؟)

<<  <  ج:
ص:  >  >>