للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وهذا الاستغلال يقتضي تأليف الشركات القوية مالياً وفنياً، وليس يعوز بلادنا العربية المال، ولكنه قد يعوزها الفن أو الخبرة إلى حد ما، ولا ضير من الاستعانة بخبراء من أوربة أو أمريكا حتى يوجد من العرب من يحل محلهم ويقوم مقامهم، أو يغني غناءهم. ومن السهل أن تحفظ كثرة الأسهم في كل شركة تؤلف لمثل هذا الغرض للبلد الذي يراد استثمار مورد من موارده، حتى لا يكون هناك غبن على أحد، وحتى لا يستأثر بلد دون آخر بالخير كله والربح أجمعه

وهذا أمر يطول، لأنه يستوجب درساً دقيقاً، وتدبيرا محكماً، ومن أجل هذا ينبغي الشروع فيه من الآن، ليتسنى أن تؤتي ثمرته بأسرع ما يمكن، قبل أن تعود الأحوال التجارية العالمية إلى ما كانت عليه قبل الحرب، وحينئذ يخشى أن تغرق الواردات الأجنبية أسواقنا، وتهجم علينا رءوس الأموال الأجنبية، فتستولي على الميدان قبل أن نستطيع أن نضع فيه قدماً.

وقد زعم الصهيونيون أن المقاطعة لن تنجح، وتحدث بهذا أحد الأمريكيين من أنصارهم المخدوعين بالدعاية الصهيونية، ولعله لا يعرف أين موقع فلسطين من الأرض، وردنا على ذلك أن الصهيونية حديثة في الشرق العربي، وقد طرأت عليه بعد الحرب العالمية الأولى، ولم يكن لها ولا لصناعاتها قبل ذلك وجود، وكانت البلاد العربية قاطبة تعيش في رغد وخفض، ولم تكن تشعر أن بها حاجة إلى هذه الصناعات الصهيونية. والذي كان من قبل لا يتعذر أن يكون من بعد.

وإذا كانت الصهيونية تنتج بعض ما لا تنتجه بلادنا، أو ما يتيسر لها إنتاجه، فإنه ليس بمعدوم النظير في العالم، وقد انتهت الحرب ففي وسع البلاد استيراد ما هو خير من المصانع الغربية. وعلى أن ما استطاعه الصهيونيون لا يتعذر مثله في مصر والشام والعراق، وما نظن بأمريكا التي تسرف في تأييد الصهيونية، وبريطانيا التي لا يعدم فيها القوم أنصاراً لقضيتهم الظالمة، إلا أنهما يسرهما أن يقبل العرب على إنتاجهما ويزهدوا فيما يعرضه الصهيونيون. ونحسب أن هذا من البدائه التي لا تحتاج إلى بيان.

والمقاطعة كما قلنا مراراً، هي أمضى سلاح في مكافحة الصهيونية، وذلك لأسباب:

الأول: أنه لا فلاح لدولة يسبق قيامَها الخرابُ الاقتصادي، فإذا تبين الصهيونيون أن

<<  <  ج:
ص:  >  >>