المقاطعة تنتهي بهم إلى الخراب، فلا شك في أنهم سينفضون أيديهم من أمر هذه الدولة المقضي عليها. ولقد كان شر ما حاق بهم في ألمانيا على عهد هتلر أنه اضطرهم أن يعيش بعضهم على بعض، وحرّم عليهم أن تكون لهم صلة ما بالشعب الألماني، فلم يطيقوا هذا. وراحوا يثيرون على هتلر ثائرة العالم كله. وإذا نجحت المقاطعة فسيؤول بهم الحال إلى مثل هذا. وما جاءوا إلى فلسطين ليعيش بعضهم على بعض، بل ليعيشوا على العرب جميعاً
الثاني: أن الصناعات التي أقاموها في فلسطين مقصود بها أن تغزو أسواق الشرق الأوسط الذي صرح زعماؤهم في المؤتمر الصهيوني بلندن أنه مجال حيوي لهم. فالمقاطعة مؤداها أن تبور هذه الصناعات.
الثالث: أن هذه الصناعات الصهيونية باهظة التكاليف، وخسارة القوم محققة لا شك فيها، ولكنهم احتملوا الخسارة، وراحوا يسدون العجز من التبرعات التي ترد عليهم في كل عام من أقطار الأرض جميعاً - حتى من مصر فأن لهم فيها وكالات أو هيئات تخدم الصهيونية سراً لا جهراً. وقد فضحها الله وكشف سترها يوم ذهب محام يهودي من مصر إلى تل أبيب وخطب هناك ودعا إلى محاربة قيام الجامعة العربية في لندن، ونشرت صحف الصهيونيين هذه الخطبة أو خلاصتها ونقلتها جريدة الدفاع وقرأتها، فنبهت إلى هذا واحتججت عليه فاضطر المحامي أن ينفي أنه قال هذا.
والصهيونيون يصبرون على هذه الخسارة وفي مرجوهم أن ينجح سعيهم فتقوم دولتهم وتفتح الأسواق في وجهها وحينئذ يتسنى أن تثبت الصناعات على قاعدة اقتصادية سليمة. ولا نحتاج أن نقول أن المقاطعة تحول دون ذلك.
غير أن المقاطعة لا ينبغي أن يقتصر الأمر فيها على ما تتخذه الحكومات من التدابير، فإن على الأمة العربية واجب المساعدة، والتعاون بين الحكومة والشعب هو الذي يحقق الغاية ويكفل النجاح. وقد نضطر من جراء ذلك إلى الصبر إلى حين على نقص بعض المواد، ولكنا تعودنا هذا الصبر ووطنا أنفسنا عليه في سنوات الحرب، وما زلنا صابرين، فلن يضيرنا أن نصبر ونتشدد سنة أخرى أو بعض سنة، وعلى أننا لن نُحرم شيئاً جوهرياً أو له قيمة كبيرة، فإن كل ما يصنعه الصهيونيون في فلسطين مما يسهل الاستغناء عنه.