ثم هي أيضاً مما يمكن صدوره في عصره، ونقصد بذلك أنها تتسم بالطابع الذي يطبع آداب هذا العصر وهو طابع القوة والصدق. فنحن نعرف أن هذا العصر عصر عربي خالص لم تشبه بعدُ شوائب العجمة، فهو إلى البداوة أقرب منه إلى الحضارة. ونحن نعرف أيضاً أن الروح العربية الخالصة روح قوية صادقة لم يُغَشِّها شيء ولم يلبسْها شيء. ولذلك وجدنا آداب هذا العصر العربي الخالص متسمة بهذه الروح العربية الخالصة بما فيها من قوة وصدق. وليست هذه الأشعار التي نقرأها لعلي ببعيدة عن هذا الطابع الذي يطبع آداب هذا العصر الذي عاش فيه علي. ويمكن لكل ذي ذوق أن يحس ذلك إحساساً واضحاً
هذه هي الخطوات الثلاث التي خطوناها فأدت إلى الرأي الذي قدمناه في أول هذا القسم من البحث وهو أن علياً كان من الشعراء. وليست الخطوة الواحدة من هذه الخطوات بقادرة وحدها على أن تؤدي بنا إلى هذا الرأي، وإنما هي تؤدي بنا إليه إذا تعاونت مع أختيها وانضمت إليهما
ونحن نحب بعد أن أثبتنا رأينا هذا أن نعود إليه فنقويه بأقوال بعض المؤيدين لنا من المتقدمين:
١ - يقول السيوطي (تاريخ الخلفاء ص ٧٠ ط الميمنية): (وأخرج عن الشعبي قال كان أبو بكر يقول الشعر وكان عمر يقول الشعر وكان عثمان يقول الشعر وكان علي أشعر الثلاثة)
هكذا يقول الشعبي وهو ثقة، ثم هو أيضاً من المتقدمين فقد كان معاصراً للحجاج وعبد الملك ابن مروان
٢ - يقول ابن عبد ربه (ج ٢ ص ١٢٣): (وقال سعيد ابن المسيب كان أبو بكر شاعراً وعمر شاعراً وعلي أشعر الثلاثة)
فسعيد بن المسيب يقول قول الشعبي، وهو ثقة فقد كان أحد الفقهاء السبعة بالمدينة، ثم هو متقدم فقد كان معاصراً لعبد الملك وتوفي بالمدينة سنة ٩٨هـ