فما هو إلا أن سمع سؤال حتى أجاب متهكما: لا فائدة لها أبداً. . . وسنتركها فنقول: كسر الله من أمسالك!!
ومن أصغى إلى هذا الخطيب المطبوع وهو يتكلم علم أن أداة البيان قد تمت له حساً ولفظاً كما تمت له بداهة ومعنى.
فصوته من تلك الأصوات (الغنية) كما يقولون في اللغات الأوربية، لا تحس فيه جهداً ولا حاجة إلى الجهد، لأنه يملأ عليك جوانب السمع كأن له عشرة أصداء تتكرر معه كما قال الأستاذ الطنطاوي في وصفه وهو يلقى قصيدته الرائية التي استقبل بها حافظ إبراهيم رحمه الله.
ومن تمام ملكات التعبير فيه أنه يقتدر على المنظوم اقتداره على المنثور، ولا شك أن الشعر يدخل أحياناً في عداد ملكات الخطابة من حيث هو إبانة وتعبير، وقد أسلس له قيادة بهذا الزمام فجاءت له في تلك القصيدة أبيات من عيون الكلام كقوله:
أحافظ حييت الشام تحية ... يفوق عبير الروض منها عبيرها
وألبستها ثوباً من الحمد دونه ... حدائقها في زهوها وزهورها
وطوقتها بالحب والعطف ربقة ... قلادة أسر لا يفادى أسيرها
وهو نفس في الشعر يقصر عنه كثير من الخطباء، وكثير من الشعراء.
على أنه يرتفع بك إلى الذروة من ملكات هذه العبقرية حين يفرغ الحجة الدامغة في جوامع الكلم التي تملك السمع والعقل دفعة واحدة، بغير إعنات ولا مشقة على سامعيه.
فليس أسهل ولا أقوى من تفنيده لدعوى المندوب البريطاني حين زعم أن معاهدة سنة ١٩٣٦ معاهدة صحيحة لأنها أبرمت باختيار الطرفين. فلا حاجة - كما قال - إلى دليل على بطلان هذه الدعوى. لأن أمة من الأمم لا تقبل احتلال الأجنبي لبلادها وهي مختارة راضية.
وليس أجمع ولا أمنع من قوله في هذا الصدد: أن تلك المعاهدة لا تنطوي على التزام تتقيد به بريطانيا العظمى. وإنما هي تفويض من ملك مصر إذا شاءت بريطانيا العظمى أن تنزل عنه فليس في عملها هذا مناقضة لحرمة المعاهدات.
نعم فهي إذا لم تشأ فإنما تفعل ذلك لأنها ذات غرض ترمي إليه، ولا تفعله لحرمة في تلك