المعاهدة تحرص عليها.
ويندر أن تتم أداة العبقرية البيانية هذا التمام لغير الأفذاذ النابهين. ففي عصرنا هذا لا نعرف مثلا لهذا الأداة التامة بين فرسان المنابر السياسية غير رجلين اثنين: أحدهما باقعة الغال لويد جورج الوزير الإنجليزي المشهور، والآخر زعيمنا العظيم سعد زغلول رحمه الله
هما أيضاً كانا يملكان الحجة المسكتة في مقام الجد والفكاهة.
كان لويد جورج يخطب عن أعماله التي ينوي القيام بها إذا ظفر بكرسي النيابة، فتصدى له فحام سليط اقتحم الجمع بلوثة الفحم والشحم في ثيابه، فسأل الخطيب ليحرجه: دعنا من كل هذا وقل لنا ماذا تنوي أن (ترخص) لنا من ضرورات المعيشة؟
فما هو إلا أن سمعه حتى أجاب بكلمة واحدة: الصابون!
فكان الحرج والسخرية من نصيب السائل دون المسؤول
وكان بعض (المتطرفين) يتعمدون إحراج سعد في سياق الكلام عن خزان جبل أوليا، بالسودان: فسألوه: هل هو ضار أو مفيد؟
فما زاد على أن قال: هو مفيد مع اتحاد المالك. . .
فلم يجرؤ على الاعتراض أحد يطالب بوحدة مصر والسودان.
ويتشابه هؤلاء العباقرة الثلاثة في خاصة معهودة بين كثير من أصحاب العبقرية البيانية، وهي اتصال عقولهم بعقول سامعيهم في عالم العيان.
فهم لا يعنون بالتأليف عنايتهم بالخطاب والحديث. لأن عبقريتهم تتصل بالنفوس في عالم العيان كما قلنا، أو حين تتلاقى الحياة بالحياة، ولم تخلق للاتصال بها في عالم الفكر المجرد أو من وراء الحجاب.
فعبقرياتهم جميعاً أكبر من آثارهم المكتوبة أو المطبوعة.
ولولا مذكرات للويد جورج لكان بيانه كله مما أُثر عنه في المجالس والمحافل، وفي المساجلات والمحاورات.
وليس لسعد زغلول ولا لفارس الخوري - فيما نعلم - مؤلفات تضارع ما طبع عليه كلاهما من الألمعية والفطنة، وما حصله كلاهما من المعرفة الواسعة والخبرة الصادقة. لأن