والمصلحة، والثانية تتحدث إلى العقل وتخاطب العاطفة. والأولى تحوجها الضرورة إلى الحيطة والاحتراز. أما الثانية فمن ضروراتها أن تكون طليقة حرة.
يلخص لنا إذا من هذا التناقض بين النهجين أن ما يلقى على كل من هاتين القوتين من المسئولية هو من التنوع والاختلاف بمثل ما تنوعت أعمالهما واختلفت واجباتهما. وليس من عيب أعيب لنا معشر الصحفيين من أن ننكص على أعقابنا فلا نميط اللثام عن وجه الحقيقة لتظهر للناس بذاتها سافرة واضحة. وشأننا من الإفصاح والصدق لا يقل أثراً عما للهواء والنور من شأن في الحياة. فنحن مرتبطون بأن ندلي بالحقيقة كما نلمسها من غير أن نحسب للعواقب حساباً، وإلا ندع للظلم والاضطهاد سبيلاً ينفذان منه أو مأوى يسكننا إليه ويسلمان فيه. بل نناهضهما فور الوقت ونعرضهما على قضاء العالم. . . وإذا ما قاسم صاحب القلم العام رجل السياسة نفوذه إلى أية درجة كانت فإنه على الأقل يقاسمه من تلك الأغراض الشخصية التي تنظم شطراً كبيراً من السياسة الجارية. . . والصحفي حتى لو لم يهلل له حزب أو يظفر كفاحه بالنجاح في ما يوجهه إليه من كسب ولاء أو بسط سلطان؛ فتلك الآراء التي أذاعها ودافع عنها أو أنشأها إنشاء وابتدعها ابتداعاً - إن صح له مثل هذا التعبير - تسقط من يده في اللحظة التي يكتب لها النصر فيها حيث ينتهي أمرها بأن تأخذ مكانها بين الحقائق المقررة. والمسئولية التي يأخذ الصحفي بنصيبه منها هي في الحق قريبة الشبه بمسئولية رجل الاقتصاد أو المحاماة التي ليس من شأنه أن يخلق نظاماً يتناسب مع مقتضيات اليوم، بل شأنه أن يتقصى الحق وأن يصوغه في مبادئ ثابتة تنظم شئون الحياة.
لذلك كانت المسئولية الملقاة على عاتقنا أقل شأناً من المسئوليات التي يضطلع بها رجال السياسة؛ إذ تقدر بمقياس يختلف عن مقياس هؤلاء اختلافا تاماً. قوامه الاستقامة والواجب. . . والصحافة مدينة بواجبها الأول للمصالح العامة التي تمثلها، ولكن شأنها في ذلك لا يختلف عما لها من شأن وتأثير في قضية الحضارة في العالم أجمع. والصحافة البريطانية - وهي تشغل الآن هذه المكانة الفريدة في نوعها وسلطانها بما يهنأها من حرية صحيحة تامة - قد تبعث بمميزاتها عبثاً محزناً إذا ما أعوزتها الفطنة لإدراك ما هو لازم للمصلحة العامة في أوربا ولقد يتفق مع أغراض الساسة أن يلقوا قناعاً على تمثال الحرية. وأن