الإيذاء. والذين يغضبون من الصدق النافع يُعبِّرون بغضبهم عن علة خفية هي بغض الخير للناس، ويزيد ألمهم كلما تذكروا أن جودك بالكلمة الطيبة قد ينفعك. وهذا يشرح أسباب حرصهم على تزييف المجاملات بحجة أنها من وسائل النفع، كأنه لا يجوز أن يقصد الرجل بمجاملة النافعين من الرجال غاية شريفة هي رفع العوائق من طريقه والاتسام بسمة التلطف والترفق والذوق.
وكنت قلت في حديث سلَف إنه يجب على الأديب أن يتعرف إلى من يعاصر من الوزراء والزعماء ليساعد على توجيه الحياة الاجتماعية وليكون له مكان في تسديد خطوات الجيل، فرأى بعض الصحفيين أن يقول إني أشرت إلى أسماء كان أكثرها من وزراء المعارف السابقين واللاحقين.
فما معنى ذلك؟ معناه أني أٌلاطف قوماً قد أحتاج إلى معونتهم في بعض الأحيان!
والذي قال هذا الكلام صديق، وقد نشره في جريدة هي أيضاً صديق. نسأل الله الحماية من الأصدقاء!
وأقول بعبارة صريحة إني غير راض عن نفسي، لأن جوانب الهجوم لها الحظ الأوفر من أدبي، وذلك باب من الشجاعة بالتأكيد، وهو يعرِّضني لكثير من ألوان المكاره والمتاعب، ولكن هناك شجاعة أعظم من هذه الشجاعة، وهي التي تنبعث عن القدرة على كلمة الإنصاف والتأييد في المواطن التي يحتاج فيها من نعاصرهم إلى الجهر بكلمة الإنصاف والتأييد.
فأنا حين أهجم على رجل أقيم الشاهد على الزهد في المنافع الشخصية، وقد تلقى كلمات الإعجاب بلا حساب. وهذا المذهب لا يضمن الخلوص من هوى النفس.
وأنا حين أتردد في إزجاء كلمة الصدق لمن تنفعهم كلمة الصدق إنما أخدم نفسي بإبعادها عن المواطن التي قد أُتهم فيها بالتزلف؛ وهذا رأيي جبن بشع لأنه من صور الخوف من تزيُّد الناس، ولا يخاف تقوُّل المرجفين إلا الجبان.
وخلاصة القول أنه يجب أن ندرس نفوسنا دراسة عميقة لنعرف إلى أي حد نتأثر بالجمهور في غضبه ورضاه، فهذا الجمهور كالطفل المدلل، ورأيه أضعف من هواه، ولا يخضع الرجل في تفكيره إلى هوى الجمهور إلا حين يكتب عليه الخذلان.