إليها وتلعج في ضميره مضيض الألم ووجع الندم مما اقترف من المساوئ والشناعات)
وتقدم ست سنوات فأنت تقرأ نعي نابليون كما تقرأ الذكرى المنسية قد انبعثت من قبور النسيان.
وعلى هذا الشاكلة يرجع المدبرون إلى الماضي من طريق الصحافة، وهي طريق معبدة يهتدي إلى معالمها كل عابر سبيل
فإن لم تعجبك طريق الصحافة فللشعر والأدب طر يقمها إلى كل ماض وإن لم تكن بالطريق المعبدة لجميع العابرين.
ومن مصادفات الأيام أنهم احتفلوا في يونيو الماضي بانقضاء مائة عام على مولد الشاعر الإنجليزي الكبير توماس هاردي صاحب قصيدة (العواهل) أو قصيدة نابليون.
وظهرت الصحف الأدبية وفيها شذرات من تلك الملحمة الفخمة كأنما تقال في هذه الأيام، ومن أجل هذه الحرب، وعلى نغمات الحوادث العالمية التي تصلصل الآن في الآذان.
وأي وصاة في حروب نابليون لا يوصي بها في الحرب الحاضرة؟
قال هاردي على لسان ولنجتون وقد سئل في اليوم المرهوب بماذا توصي إذا وقعت في حومة الوغى؟
قال هاردي أو قال ولنجتون: (بالثبات إلى أقصى مداه. . . فحيثما بقي في الميدان رجل واحد على قدم عرجاء في حقيبته رصاصة واحدة فلينته في النهاية كما انتهيت)
ولكن نابليون هو الذي انتهى فوقف بلسان الشاعر يقول: (الآن كل شيء ضاع. . . فيا ساعات الأرض جميعاً دقي لسلطاني دقة الختام)
ووقف الزمن يقول لذلك السلطان المخذول: (ما أمثالك من الرجال الذين يخوضون غمار الدنيا محدثين فيها الأحداث مقلبين السعود والنحوس إلا حشرات على صفحة الأجيال كحشرات النبات على صفحة الأوراق، ينشرون ما تطوي أخاديد التراب)
أترانا على هذا النهج قد رجعنا في طريق الماضي، وأفلحنا في تأخير السنين؟
كلا، بل نحن فيما أرجو قد تقدمنا أمام الزمن، ونظرنا إلى المستقبل، ورأينا على صخور القديسة هيلانة مكان ضيف جديد!
عباس محمود العقاد